قضايا وآراء

التوتر يتصاعد في سورية وسط تعقد الملفات الإقليمية

| أنس وهيب الكردي

تصاعدت كل مؤشرات التوتر والاشتباك في سورية مؤخراً، أسقط المسلحون طائرة حربية روسية فوق أجواء محافظة إدلب، على حين وجه التحالف الدولي ضربة لعناصر من المجموعات الشعبية في شرق دير الزور، بينما أسقطت دفاعات سورية طائرة حربية إسرائيلية فوق الجولان السوري المحتل، كان عناصر الجيش التركي وحلفاؤه من مليشيات «الجيش الحر» و«درع الفرات» المتقدمين نحو عفرين يتلقون أقسى الضربات على يد مسلحي «وحدات حماية الشعب» الكردية، ومناطق خفض التصعيد مثل إدلب، غوطة دمشق الشرقية، شهدت كذلك الأمر، تصاعداً في حدة القتال والاشتباكات.
يؤكد هذا التوتر وتلك الاشتباكات، بلوغ علاقات القوى الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط، طريقاً مسدوداً، لم يعد بإمكان الأطراف تحريكه من دون جولة جديدة من التصعيد، تمهد الأرضية أمام إطلاق مفاوضات جديدة بعد تحسين شروط التفاوض.
على مدار الشهور الماضية، تدهورت العلاقات الروسية الأميركية بوتائر متسارعة من دون وجود أدنى بارقة لمنعها من الوصول إلى حافة الانهيار، ولقد وضعت إستراتيجية الأمن القومي التي صاغتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب روسيا على المستوى نفسه مع إيران وكوريا الديمقراطية بالنسبة للولايات المتحدة، وذلك على حين كشف المخططون الأميركيون عزم بلادهم تطوير ترسانة بلادهم النووية لمواجهة كل من روسيا والصين.
وزاد في تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن إصرار الأخيرة على ربط خروج قواتها من شرق سورية بالتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية ضمن عملية جنيف، وسعيها المعلن لإفشال مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي استضافته مدينة سوتشي، ونظمته الخارجية الروسية، وتسببت «لا ورقة واشنطن» التي صاغها ممثلو الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن، بغضب في الخارجية الروسية لما مثلته من محاولة أميركية لإحياء «مجموعة أصدقاء سورية»، التي دعمت بكل قوتها الهيئات المعارضة المعادية للحكومة السورية.
انحياز السعودية وراء الولايات المتحدة في مشروعها لإعادة إعمار شرق سورية المتركز حول الرقة والطبقة، ومشاركتها في صياغة «لا ورقة واشنطن»، أدى إلى جفاء سعودي روسي، وجعل موسكو أقرب إلى الضغط على مسلحي ميليشيا «جيش الإسلام» المدعومة من الرياض في غوطة دمشق الشرقية.
على خلفية التنافس ما بين روسيا والولايات المتحدة حول تقرير مصير شرقي سورية، ومستقبل التسوية السياسية للأزمة السورية، تتالت الأحداث التالية: هجومان على قاعدة حميميم الروسية في أواخر العام 2017 الماضي ومطالع العام 2018، ضربة دير الزور، وأخيراً، إسقاط الطائرتين الروسية والإسرائيلية.
بينما لفحت أجواء الحرب الباردة العلاقات الأميركية الروسية، وأدى سعي واشنطن لتطويق النفوذ الإيراني في المنطقة وتقليمه، إلى اجتراح طهران خطة على مستوى المنطقة، تمكنها من الهجوم عوضاً عن الانتظار، وهكذا تصاعدت حدة التوترات ما بين واشنطن وطهران في طول المنطقة وعرضها، وفي قلبها موقف ترامب الرافض لمجمل الصفقة الخاصة بملف إيران النووي، ومعارضة إدارته للدور الإيراني الكبير في شؤون الهلال الخصيب. وقفت تلك التوترات وراء ضربة دير الزور، وإسقاط الطائرة الإسرائيلية، وجزء من مساعي إيران لمواجهة واشنطن تركز في وسط وجنوب سورية، ما دفع الإسرائيليين للتحرك بطبيعة الحال.
حتى داخل مثلث أستانا ازدادت حدة التوترات ما بين دوله، بالأخص تركيا وإيران، سواء حول مصير عفرين أو إدلب ومختلف مناطق خفض التصعيد، ويحمل رد «وحدات حماية الشعب» المدعومة بشكل خفي من دمشق وطهران على تقدم الأتراك وحلفائهم في منطقة عفرين، تهديداً حقيقياً بإغراق الجيش التركي في مستنقع قاس لا خروج منه من دون طوق نجاة تلقيه السلطات السورية وإيران.
تصاعد حدة التوترات داخل سورية يؤشر إلى تعقد الملفات الدولية والإقليمية حول سورية، وذلك على حين تستعد الدول الضامنة لعملية أستانا أي روسيا وتركيا وإيران للتفاوض حول تجديد اتفاقية خفض التصعيد ومصير عفرين، بالتوازي مع بحث موسكو وواشنطن وعمان على وضع اتفاق الجنوب موضع التنفيذ وذلك بعد أشهر من إقراره.
تريد روسيا من مفاوضاتها مع الولايات المتحدة أن تحرك ملف المعابر الحدودية مع العراقي بين البوكمال والتنف، ومع الأردن بين نصيب والجمرك القديم، كما تعمل على ضبط السياسة السعودية حيال سورية، في المقابل تسعى طهران إلى ضبط تحركات الجيش التركي عبر دعم «حماية الشعب» في عفرين، وتذكير واشنطن بالتكاليف الإقليمية للخروج من الاتفاق النووي، والتأكيد على مركزية الدور الإيراني في تسوية أزمات الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن