ثقافة وفن

كائنات غرائبية

| إسماعيل مروة

مما لاشك فيه أن من أتحدث عنهم، أو ما أتناوله كان موجوداً منذ أزمان بعيدة جداً، لكنها اليوم أكثر وضوحاً وظهوراً، لذلك أسميتها، كائنات غرائبية، فهي غريبة وهجينة وبعيدة عن المحيط، تدلف إليك ذات لحظة لتريك ذلك الكم من الغرابة، ولا أريد أن أوصفها إيجاباً أم سلباً، لأن التوصيف يفقدني صفة الحياد التي أرغب في أن أنحاز إليها، فمع وسائل التواصل الاجتماعي، والقدرة على طرح القضايا وسرقتها انتشرت ظواهر إعلامية وسياسية وأدبية مدهشة، وقد وقفت عند هذا الأمر مرات، فهذه تشعر بالتعب القاتل! ولأن صورتها جميلة فقد انهالت عليها الإعجابات وربما التعليقات، وحين عادت إلى جملتها أضافت إليها عبارة جديدة، فتتالت الإعجابات، لكنها لم تلبث أن عادت لتجمع هذه العبارات وترتبها بطريقة ما، وكل حالة في صفحة، لتصبح هذه السيدة شاعرة، وربما نالت عضوية اتحاد الكتاب، وطوّبتها المؤسسات الثقافية، ومن ثم تبدأ بحمل أوراقها والدوران بها من أمسية إلى أخرى.. وذاك وضع هلوسات من نوع ما، وصار قاصاً وشاعراً وروائياً، وربما خاطب حنا مينه أو أدونيس، وهو يقول له: أنا الكاتب..! هناك أمثلة كثيرة أكثر من أن تحصى، لكنني لا أريد الوقوف عندها.. ظواهر أدبية مخيفة!
أما الظواهر السياسية فلا يمكن أن نحدّها بكتابة أو بحصر، فكل واحد من مستعملي وسائل التواصل أصبح صاحب رأي سياسي، فهو يدرك أكثر من وزير، وأعمق من رئيس، ومطوّب أكثر من ملك! فكم من مرة ينتابك شعور مخيف وأنت تقرأ هذه الآراء السياسية التي يمكن وصفها بوصف واحد هو الفوضى! وهذه المساهمات تسهم بشكل كبير في زرع الضغينة والحقد بين الناس الذين يتداولون الوسائل، والطريف أن هؤلاء هم أصحاب اللا رأي، فهم لا رأي لهم، وليسوا مبدئيين، ومن النوع المنفعل لا الفاعل، وكل ما حصدناه من وسائل التواصل المزيد من الكره والحقد بين المستعملين، وأما التعليقات فهي ارتجالية، وقادرة على التخوين وإثارة الزوابع والدعايات بقدر كبير، وهنا لابد من الدعوة إلى القراءة والترشيد في استخدام وسائل التواصل، وذلك يقوم به المستخدم، ولا حاجة للحجب، فالحياة قادمة، والتقانة ستتجاوز كل شيء، والمراد أن نتثقف في الاستخدام والدراسة والاطلاع والمعرفة، فالوسائل هذه ليست لإسهال القول الفارغ بل للقراءة أكثر من الكتابة، وللتمعن أكثر من الغضب.
أما النواحي الفكرية فهي أكثر من كارثة، فكم من واحد يلطش قولاً عن أحدهم، وربما نسبه لأحد الخلفاء، وربما وصل للنبي، أو أحد العلماء والأئمة، ويعلق ويصدر الأحكام، وهو لا يعرف الزمن الذي عاش فيه هذا الذي يمتدحه أو يهجوه، ولا يعرف العلاقة التي تربط هؤلاء الأشخاص إن كانوا ساسة أم كانوا من علماء الدين الأفاضل.. وكم من مرة استشهد أحدهم بكتابات كاتب لا كتاب له، وعليك أن تصدق وأن تعجب وأن تعلقّ، وكم من مرة نفى أحدهم صفة عن أحد العلماء، والكتب تؤكد عكسها، فعليك أن توافق لمجرد أنه رأى ذلك..
أما الحديث عن الفساد وعن الشرف والوطنية، فحدث عنها ولا حرج، وكم من مدّع، وكم من دعي، يجود علينا بهذياناته عبر وسائل التواصل، فهذا يعلمك القومية، وذاك يعلمك الوطنية، وثالث يعلمك الشرع، ورابع يعلمك الابتعاد عن الطائفية وهو أعمق من طيف الأطياف!
أما الثقافة فحدّث ولا حرج
تأتيك رسالة لتبين لك أن مرسلها مكتشف لما قرأناه ولم ننتبه، فذاك يكتشف وثيقة، هو من اكتشفها، مرّ عليها قرن، تبرز التآمر على بلداننا وأوطاننا، فعلينا حسب المرسل أن ننتبه إلى المؤامرة..! وهو من المتآمرين وهو من السيئين! لاشك في أن المؤامرة موجودة وعميقة، وثمة فرق بين المؤامرة والحرب، فالمؤامرة يمكن تجاوزها ببساطة، بالعلم والعمل والإخلاص والوطنية والانتماء، أما الحرب فتواجه بالقوة والصمود، إذا مر قرن على مؤامرات الغرب والصهاينة فماذا فعلنا نحن لمواجهة هذه المؤامرات؟ لو قوّمنا كل يوم فكرة لتحولنا نحن إلى متحكمين بالغرب، ماذا فعلنا سوى البكاء والتظلم؟ إن الذين سيعيشون بعدنا سيتذكرون عام 2111 ما جرى معنا، والحروب التي جرت معنا، وسيتحدثون عن المؤامرات التي تواجهها الأمة فمن مؤامرة إلى مؤامرة، وسنبقى نرصد هذه المؤامرات، لن نترك المؤامرات من دون رصد! هم يريدوننا أن نبقى جاهلين، ونحن نعرف أنهم يريدون، يكفي أن نرصد وأن نسجل، وسيتحول هيرتزل إلى تاريخ وتراث، وبعد قرن سنعرف اللئام الآخرين الذين يريدون أن يتآمروا علينا!!
ولكننا سنبقى رغم الظروف
وسنكون خير أمة أخرجت للناس
والكتاب وعدنا بأننا الأفضل، وبأن ما ينتظرنا أهم بكثير مما هو موجود في الحياة!
ستكون لنا الأيام القادمة المجهولة
ستصحو الأمة، وستسود العالم، ألم يقل الباحث الغربي: إن الإسلام سيسود؟!
ألم تستمعوا إلى محاضرة البروفيسور اليهودي وبالعربية حين قال: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه؟!
قالوا: لذلك لابد أن يحدث، ونحن سننتظر نبوءتهم، لا ضرورة لمؤسسات ثقافية، ولا تربوية ولا قضائية، ولا إعلامية، فقد قال هؤلاء، وهم الأعداء بأننا سننهض، وسنكون المسيطرين على العالم القادم، ولا داعي لبذل أي جهد، كنوزنا لو سرقت فإنها تحمل بصمتنا، وهم همج معتدون يسرقون الحضارات..
حتى زنوبيا انتهت في بلاد الروم، أرادوا إذلالها لأنها بنت دولة، ولكننا نحن نعرف الحقيقة، لقد كانت زنوبيا تريد أن تنتهي في بلاد الروم، في عقر دارهم لتتحداهم وتلقى حتفها أمام جبروت روما!!
أرأيتم كم هم جهلة لنياتنا بأن نمد أجسادنا لرفاقنا ليعبروا ويعبّروا عن إرادتهم ورسالاتهم؟!
ألسنا كائنات غرائبية؟
عهد التميمي تبكي، تتحدى العدو الصهيوني الغاضب، دموعها ستنتصر!
ستخرج عهد ذات يوم لتتحدى العدو الصهيوني! لابد أن عرش الصهاينة اهتز لما وعدناه!
سياسي محترف يقول: سيختفي ترامب من المشهد، وستبقى فلسطين حرة!
إنه اكتشاف مهم، ومن سياسي محترف، ناموا حتى تنفد دموع عهد التميمي!
ارتاحوا حتى يغادر ترامب الرئاسة لتعود فلسطين إلى المشهد!
انتظروا ليجف دم السوريين والعرب، واحتفظوا بحفنة من المنتفعين في الداخل والخارج..
انتظروا ليطول الخراب الدول العربية كلها، لأنها لابد أن تصل إلى مرحلة من الخراب قبل أن تنهض من جديد، فقد وعدنا بأن نكون سادة العالم!
متأكد أنا بطاقاتي المتواضعة بأنه بعد مئة عام سيأتي من يكتب ما يشبه هذه الكتابة، لكن سيعد القارئ كما أعدكم بأن الغد للأمة التي تتحدى بدمعها وفسادها وخيانتها، وكل ما تمتلك من جهل ومن كائنات غرائبية لا تملكها الأمم الأخرى، تلك الأمم التي يسودها التفكك الأسري، وغياب الأخلاق والإيمان والصلوات والدعاء!! لابد أن يندحر المتآمرون.. انتظروا.. سيفوز المنتظرون!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن