الرسالة
| عمار عبد الغني
منذ أن أعلنت الإدارة الأميركية عن تأسيس ما اسمته «الجيش السوري الجديد» في الشمال وكرة النار تتدحرج لتضع المنطقة على صفيح ساخن وربما تتطور الأمور بشكل متسارع لتتحول إلى صدام مباشر بين القوى الطامعة بالحصول على جزء من الكعكة السورية، وخاصة بعد عدوان الجيش التركي على عفرين وما أفرزه من تباعد بين الحليفين الأميركي والتركي، حيث دخلت العلاقات بينهما في طور الانهيار بسبب تمسك كل طرف بموقفه وتوجيه كل إلى الآخر ضربات تحت الحزام بطريقة غير مباشرة، عله يتراجع عمّا أقدم عليه، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.
فلا العنجهية الأميركية القائمة على «فرط القوة»، تراجعت، ولا العقلية الإخوانية لرئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، تسمح بالخروج بهيئة المهزوم، وهذا ما يجعلنا نتفاءل بقرب انفراط العقد بينهما بعد تحالف امتد لأكثر من 70 عاماً تخللها ما يقارب من 7 سنوات من التنسيق المباشر في الحرب على سورية عندما شكلت تركيا المنفذ الرئيسي للإرهابيين والمال والسلاح وكل أشكال الدعم، وبالتالي فإن هذا التباعد في الرؤى بين حليفي الأمس هو نتاج طبيعي لسياسة التخبط التي يعيشها محور أميركا بعد أن دخل مجمل المشروع الاستعماري الجديد في طور الانهيار جراء انتصارات الجيش العربي السوري في ميادين القتال، وسط حال الانهيار الدراماتيكي الذي تعيشه التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها على كل جبهات القتال.
إن هذا التطور المتسارع للأحداث ورجحان كفة إشعال الحرب على نطاق أوسع، كان نتيجة طبيعية لأطماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يريد حصة في أي دولة تملك ثروة نفطية، ونتيجة لقلة خبرته وحماقته، اعتقد أنه في حال لملمة ما تبقى من داعش وميليشيات كردية موالية له، يستطيع السيطرة على المنطقة التي ترضي أطماعه في سورية دون أن يحرك أحد ساكن، لكن النتائج جاءت عكس ما يشتهي، فالتدخل التركي بعثر الأوراق، حيث تبخر جيش ترامب الجديد، كما الجيوش التي دربها في تركيا والأردن وانتهى بها المطاف في أحضان داعش وجبهة النصرة، وكذلك عدوان أردوغان اصطدم بمقاومة صلبة من الأهالي لم يتوقعها، والمؤكد أنه بات يبحث عن مخرج قبل أن يغرق في وحل عفرين، ما يعني أن لا ترامب ولا أردوغان كسب في هذه الجولة وربما كان الخلاف بينهما هو أبرز نتيجة لما حدث خلال المواجهة الأخيرة.
بالمجمل، هناك أطراف إقليمية ودولية تسعى لتوسيع دائرة الاشتباك وعلى رأسها ترامب ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القلق على مستقبل كيانه بعد الفشل في إسقاط الدولة السورية، وتمدد محور المقاومة الذي بات لا يهدد فقط أمن إسرائيل وإنما وجودها في منطقتنا، ونعتقد أن عدوان الكيان الصهيوني الأخير على مواقع للجيش العربي السوري كان بالون اختبار ليتعرف على ردود الفعل السورية أولاً، ومحور المقاومة والأصدقاء وعلى رأسهم روسيا ثانياً، والمؤكد أنه وصل الرد، حيث أسقطت سورية أسطورة هيمنة سلاح الجو الإسرائيلي على المنطقة بعد أن سقطت أسطورة دبابة الميركافا في جنوب لبنان عام 2006، بينما كان موقف الحلفاء والأصدقاء لا كما يتوقع، أما ترامب فلابد أنه أُبلغ من إدارته أن أميركا الآن ليست كما كانت قبل عقدين من الزمن وعليه التسليم أن هناك محوراً بات يضع اللمسات الأخيرة على تشكله يمتد من سورية مروراً بالعراق وإيران وصولاً إلى روسيا والصين، إضافة إلى حركات المقاومة، وعليه فإن أي حماقة يقدم عليها ترامب ونتنياهو حتماً لن تكون في مصلحتهم.
فهل وصلت الرسالة؟ الأيام القليلة القادمة ستعطينا صورة أوضح عما ستؤول إليه الأمور.