من دفتر الوطن

لا أريدها كما كانت!

| حسن م. يوسف 

«سنعيد سورية كما كانت».
رغم أنني سمعت هذه العبارة عشرات آلاف المرات، خلال السنوات السبع الماضية، من مختلف فئات السوريين، إلا أن معناها كان يصلني مختلفاً في كل مرة، فعندما يقولها جندي مقاتل كانت تشعرني بالارتياح، إذ كنت أفهمها كوعد بتحرير سورية من الإرهابيين والدفاع عن قرارها الوطني المستقل كي تستعيد دورها كقلب للعروبة وكمركز للإشعاع الحضاري في المنطقة، لكن عندما يقولها موظف فاسد، أو تاجر محتكر كانت تجعلني أشعر بالانقباض والقلق.
صحيح أنه ثمة فرق هائل بين الحياة الهادئة التي كنا نعيشها في سورية قبل هذه الحرب الإجرامية التي تشنها الفاشية العالمية علينا بالتعاون مع فاشيتنا المحلية، وبين حياتنا الحالية التي يكاد الموت يكون صاحب الحصة الأكبر فيها، إلا أن سورية لم تكن جنة اللـه على الأرض كما يزعم الرومانسيون الواهمون، فقد تسلل أعداؤنا إلينا من خلال ضعف جهازنا المناعي كمجتمع وكأفراد.
لست أريد أن أتوقف في هذه العجالة عند المساوئ الفظيعة لسياسة الحفظ والتلقين المعتمدة في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، فقد سبق لي أن كتبت عنها غير مرة، وأشرت إلى دورها المريع في تنميط أبنائنا وقتل مواهبهم وتشويش قيمهم الأخلاقية، ومعاييرهم الجمالية، وهويتهم الوطنية.
لا شك أن مجانية التعليم والطبابة كانتا من أعظم ما تم إنجازه في بلادنا بعد استقلالها، فالاستثمار في الإنسان هو الأهم والأبقى والأكثر مردودية، والحق أن الحروف التي تقرؤونها الآن ما كانت لتصلكم لولا مجانية التعليم، إلا أن استثمار دولتنا السورية في مجال التعليم، كان يفتقر للمتابعة كي يحقق مصلحة الفرد والمجتمع.
لم تكتف الدولة السورية بإتاحة فرصة التعلُّم لمن يشاء، بل جعلت التعليم إلزامياً ومجانياً في مرحلة التعليم الأساسي، وجعلته مجانياً دون إلزام في المرحلة الثانوية، كما جعلت التعليم الجامعي متاحاً برسوم ضئيلة لمن يريدون متابعة دراستهم الجامعية، إلا أن الدولة السورية قصرت، ولا تزال، في تحضير فرص العمل للخريجين من أبنائها، ونحن في ذلك مثل بستاني يمضي العام بكامله وهو يتعب ويشقى في سقاية وحرث وتسميد بستانه، وعندما تنضج ثمار البستان يتركها إما لتقع على الأرض وتتعفن، وإما لكي يقطفها الغرباء ويقوموا بأكلها أو بيعها! وما يضع العقل في الكف هو أننا لا ندفع أجرة توضيب ونقل ثمار بستاننا إلى السوق وحسب، بل إننا ندفع لتجار الجملة عمولتهم أيضاً كي يحصل الغريب على كل فوائد بستاننا ولا نجني نحن منه سوى الغرامات والتعب! فقبل نحو عام قرأت في الزميلة (الاقتصادي) تصريحاً لمعاون وزير التعليم العالي لشؤون البحث العلمي بأن نسبة الموفدين الذين حصلوا على الشهادة والمؤهل العلمي في الخارج ولم يعودوا إلى القطر، وصلت إلى 83 في المئة! وقبل أيام قرأت إحصائية، لا أدري مدى دقتها، مفادها أن عدد المغتربين السوريين والمتحدرين من أصل سوري في العالم قد بلغ مؤخراً 73 مليون مغترب، ثلاثة أخماسهم من حملة الشهادات العليا!
لكل ما سبق أعلن أنني لا أريد أن تعود سورية كما كانت!
أريدها أبهى وأقوى وأكثر عقلانية وعدالة. أريدها أن تستوعب الدرس الذي دفعت ثمنه مئات آلاف الشهداء من أبنائها لأن إعادة سورية كما كانت قبل عام 2011 يعني إبقاء نقاط الضعف في بنيتها التي تسلل من خلالها الأعداء. والعودة إلى حقل الألغام، قبل نزع ألغامه أو تعطيلها هو ضرب من الانتحار!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن