ثقافة وفن

فوق تخيل المرء!

| إسماعيل مروة

هل جلست بين عدد من المثقفين والحائزين شهادات عليا، وجميعهم من محيط واحد، وكل واحد يعرف الآخر حق المعرفة، يعرف دراساته، وقرأ مؤلفات له، وربما عرف شيئاً عن حياته الخاصة، وربما عرف ارتباطاته ببعض أجهزة أو أنظمة؟ هل جلست بين هؤلاء واستمعت إلى الطريقة التي يتحدثون بها، فهذا يشرح ويطيل، ويظهر دراساته الأكاديمية والخنفشارية، ويتحدث عن بطولات يعجز عنها الزير سالم أبو ليلى المهلهل، ويتابع ويشرح في جزئيات كما لو أنه يتحدث إلى طلابه، أو إلى مجموعة من الناس الجهلة في حي من الأحياء، ويريد تعرفيهم بنفسه وقدراته الخرافية؟ بل يريد أن يشرح لهم كما لو أنهم لا يجيدون التهجئة! أقسم بأنني لا أرسم صورة متخيلة، فقد جلست مرات، وأجلس دوماً مع أناس يحاولون شرح ما لا يشرح، وشهوة الكلام تجعل أحدهم لا يتابع ما يقوله سابقه، ويعيده، ولو بأسلوب رديء، المهم أن يقول وأن يتحدث!
لم أستطع حتى اليوم، إلا نادراً، أن أجد في النخب الثقافية والسياسية وغيرها أو أن أعثر فيها على من يعرف ما يريد ويتوجه إليه بأقصر الكلام وأقل زمن، دوماً هناك مشكلات لا مشكلة، لا قيمة للزمن، ولا قيمة للكلام، لا قيمة لا شيء، وأسأل نفسي دوماً، هذا الذي يتنطع بالمعرفة أو الثقافة أو الطهر أو الاستقامة والبعد عن الفساد، ألا يشعر أنه كاذب ومفضوح؟ ألا ينتابه إحساس ما وهو يدرك أنه مكشوف لواحد على الأقل؟ أجهل من عليها يحدثك عن العلم والمعرفة، وربما جال بك نصف بلدان العالم مدّعياً أن خبراءها استشاروه ولا غنى لهم عن معرفته..! وأفسد من على الكوكب يحدثك عن الطهر، وعن الاستقامة ونظافة اليد، وينظر شذراً إلى جوانبه مستخفاً بكل من يجلس، فما بالك بمن يعرف فساده المستشري على مساحات تكفي لكواكب عديدة، ولا تقتصر على كوكبنا..!
يمكن أن يكون هذا الحال مقبولاً في مجتمعات بدائية، قد يقبله السامع في مجتمعات غير مكتسبة لسمة ثقافية، أما أن يكون هذا الأمر المتفاقم في أوساط النخبة، فتلك هي المصيبة! ويغيب عن النخبوي نفسه أنه في بؤرة الضوء للعامة، فما بالنا أمام من يساويه أو يتفوق عليه معرفة؟
قد تجلس إلى أحدهم مرات عدة، يعرفك بنفسه، مع ملاحظة أنك تعرفه، وهذا ما جمعكما، ولا يعجبه أن تذكر له طرفاً مما تعرف عنه، بل يستمر معرفاً، وهو لا يدري أنه كلما شرح أكثر تضاءل وهزلت مكانته إلى مرتبة لا يمكن تخيلها..!
وقد تلتقيه مرة ثانية وثالثة… وفي كل مرة سيجلس، أو ستجلس، هو أو هي، ويعيد أسطوانة عن ذاته وإنجازاته، بعضها جاء عليه من قبل، بعضها يناقض ما قاله لك من قبل، ولا ينسى بضع «زَورات» تقطيبات ونحنحات، وفي طريقه يخبرك عن إنجازاته الجديدة، فهو في طريقه إليك دُعي إلى عدد من المؤتمرات، لكنه اعتذر ليكون معك!
كنت إلى جوار صديق احترمه، استمعت حتى انتفخت..
سألته: هل من نجاة لهذه الأمة، هؤلاء يمثلون ثقافتها؟
أعرفت لماذا حصل بنا ما حصل؟
إذا كان هؤلاء النخبة، فالأمة إلى زوال!
لم يكن ينتظر مني هذه الطروحات، لكنه ابتسم.. أشرت له بالصمت، واتفقت الأعين على متابعة الاستماع إلى بطولات وإنجازات، ولا يعنينا شيء إن حصلت.. أم انتفخنا…!

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن