ثقافة وفن

لطالما بحثت عن الجمال في كل مشهد من مشاهد الطبيعة … سامي الكور لـ«الوطن»: لم أتأثر بأسلوب فنان معين بل كان اعتمادي على تجربتي الشخصية

| سارة سلامة

دائماً ما تحمل دمشق هذه المدينة المبدعة المواهب من أهلها وأبنائها، فنراها ولّادة لكل فن أصيل ومميز، وكأن الإبداع شغف حقيقي عند شبابها، وهذا هو الفنان التشكيلي الشاب والأستاذ المحاضر في كلية الفنون الجميلة سامي الكور يقترب من إقامة معرض خاص به بعد مشاركته في العديد من المعارض داخل وخارج سورية.
وإذا ما نظرنا إلى لوحته نرى الجمال والراحة مع جرأته في استخدام الألوان البراقة التي تشع نوراً وتعطي طاقة شبابية لافتة وثقة واضحة بالنفس، كما يلفتنا البناء الخاص المتماسك في لوحته، ما يجعلنا نميز عمله بسهولة، من خلال البصمة التي شكلها، هذه الموهبة التي لم تعط كل ما لديها وهذا التميز جعل من اسمه مرشحاً دائماً للحضور في قائمة الفائزين بمعرض «الربيع».
تحدث لنا عن بداية موهبتك؟
أنا من مواليد مدينة دمشق عام 1991، ودرست كامل مراحل التعليم المدرسي فيها، وبدأت موهبتي بالبزوغ في عمر مبكر حينها كنت أرسم بكثرة كل ما أراه، وكانت تسكنني متعة كبيرة خلال الرسم، لأن رؤيتي للواقع مختلفة عن غيري، وهي نظرة غير مألوفة، ما دمت أبحت عن الجمال في كل مشهد من مشاهد الطبيعة، وكان لحصة الرسم طابع خاص عندي بعكس الكثير من الطلاب.
وعند انتهائي من مراحل التعليم الثانوي قررت دخول كلية الفنون الجميلة ونجحت بفحص القبول، ومرّت سنوات الدراسة الأربع بسرعة مكللاً بنجاح حيث كنت الأول على دفعتي، وبعدها دخلت الدراسات العليا، وعُينت محاضراً في الكلية، وأحضّر حالياً للماجستير.

من الذي يشجع سامي ويشدّ على يده؟
يدعمني أهلي بشكل كبير، وكذلك محبتي للفن وللموهبة التي خلقها اللـه بالفنان والتي أعتبرها نعمة، لأن اللوحة والفرشاة والألوان هم أصدقاء الفنان، فهو ينعزل عن المجتمع وعن ضجة الناس وعن الفوضى ونراه في مرسمه الخاص يجلس لساعات يبدع ويرسم ويعبر عن أفكاره بطريقته وأدواته الخاصة.

ما المعارض التي شاركت فيها؟
هناك الكثير من المشاركات وأختصرها بشكل عام في عدة معارض منها: غاليري (الآرت هاوس)، وصالة (السيد)، ومعرض (الربيع السنوي)، و(الخريف)، ومشارك بمعرض الفن المعاصر العالمي في بيروت لعام 2014 (آرثيوم غاليري)، وفي مركز بيروت للمعارض في البييل عام 2015، والموناليزا السورية عام 2015، وبافتتاح المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق عام 2015، وبمعارض خيرية مع جمعية بسمة لدعم الأطفال المصابين بالسرطان في (الآرت هاوس)، وهناك الكثير من المشاركات وملتقيات فنية شاركت بها مع وزارة الثقافة، وفي اللاذقية شاركت بملتقى التصوير الزيتي ويضم مجموعة فنانين من مختلف المحافظات السورية.

تحدث لنا عن أسلوبك في الرسم، وما المدرسة الفنية التي تنتمي إليها؟
كان أسلوبي في الجامعة واقعياً وهو الأسلوب المعتمد في المراحل الأكاديمية ونحن نعلم الطلاب الرسم فيه حتى يملك الطلاب أدواتهم ويتشكل لديهم مخزون بصري ويعرفون الظل من النور والكتلة والفراغ والمنظور والبعيد والقريب والعلاقات بين الألوان الحارة والباردة، وبعدها ونتيجة الخبرة يتطور الأسلوب وتنضج التجربة، وبفترة التخرج وما بعدها خرجت من الواقع وأصبحت أرسم بقايا أشكال ودلالات على وجود عناصر ومفردات ضمن كادر المشهد بأسلوب مختزل غير مباشر وبعيد عن نقل الواقع.
أما أسلوبي فيندرج إلى المدرسة التعبيرية التجريدية، واستطعت من خلاله تشكيل بصمة خاصة مع أني من الجيل الشاب، وربما ساعدني في ذلك عدم تأثري بأسلوب فنان معين بل كان اعتمادي على تجربتي الشخصية.
ما الذي يميز سامي عن غيره؟
ما يميز عملي بحسب الكثيرين التباين القوي بين الفاتح والغامق والظل والنور والانسجام بين الألوان الحارة والباردة، والعلاقات اللونية واللمسة التي تتميز بطابع خاص، كما تميزني مكونات اللوحة اللونية والشكلية والمفردات التشكيلية كفنان تشكيلي لي بصمتي الخاصة.

متى سنشاهد معرضاً خاصاً بك؟
أحضّر لمعرض خاص بي في الوقت القريب راجياً أن يترك بصمة جميلة عند المتلقي، وهو يضم مجموعة لوحات بمراحل مختلفة من السنوات الأخيرة التي مرت.

نلت الجائزة الأولى في التصوير الزيتي لعام 2016، تحدث لنا عن ذلك؟
نلت الجائزة الأولى على مستوى سورية وكرمت من وزير الثقافة محمد الأحمد في مكتبة الأسد بحفل تكريم وشهادة ومبلغ مالي، وهذا التكريم يعني لي الكثير ويحفزني على الاستمرار والإبداع بشكل دائم ويشعرني أن نتاجي يلقى التقدير والاهتمام من الجهات المعنية، وهذا التكريم مهم لأنه يخلق جواً من المنافسة بين الفنانين ويحفزهم لإعطاء الأجمل ومن شأنه رفع مستوى المعارض في قطاع الدولة مثل: (الخريف، والربيع)، التي تقيمهما مديرية الفنون بوزارة الثقافة.

هل لديك مشاركات خارج الحدود السورية؟
شاركت بعدة معارض وفعاليات خارجاً ولاقت تقديراً كبيراً، ومنها معارض بيروت مثلما ذكرت وكان هناك اهتمام كبير بالفن والفنان السوري لما يحمله من أصالة فنية فريدة، كما شاركت بمعرض في الكويت وفي دبي وفي إستانبول، وفي كندا.

أعمالك مقتناة من وزارة الثقافة، كم شكل لك هذا دفعاً للأمام؟
لدي عدة أعمال مقتناة من الوزارة منذ العام 2012، وهو أمر مفرح أن تنتشر أعمالي وتكون موجودة ليراها الناس في أماكن متعددة، وهي لفتة كريمة من الوزير أعطتني دفعاً وشعوراً رائعين.

شاركت بعدة مسلسلات منها (العراب) وحالياً تحضر (لرائحة روح)، ماذا تضيف لك هذه التجربة؟
شاركت بمسلسل (العراب) مع المخرج المثنى صبح من خلال مجموعة كبيرة من اللوحات وذلك بسبب وجود شخصيتين تشكيليتين في العمل هما: «سلافة معمار، ونسرين طافش»، وبعد قراءة النص قدمت شيئاً قريباً من شخصية الفنانة الروحية والشخصية الأخرى قدمت أعمالاً لها علاقة بالأنوثة والتشكيلات الأنثوية، وأشارك حالياً بعمل (رائحة روح)، للمخرجة سهير سرميني التي دعتني للمشاركة لوجود خط عن الفن التشكيلي في العمل، وأنا موجود معهم في مكان التصوير وأعددت بورتريه وعدة لوحات لخلق جو المرسم.
وعادة ما تكون اللوحة من تأليفي وإخراجي على حين هنا أرسم شيئاً يخدم العمل الفني الجماعي، ويكون العمل محكوماً من خلال نص ومخرج، ولكن على الرغم من ذلك فإنني أعمل بأسلوبي الخاص ولا أتخلى عن لوني ولمستي وإحساسي باللوحة، باستثناء الموضوع الذي يتحكم به النص المكتوب والمخرج.

تتمتع بكاريزما خاصة هل يمكن أن تدفعك للخوض في مجال التمثيل؟
نصحني الكثير للدخول في مجال الدراما وخاصة أن هناك الكثير من الممثلين السوريين من خريجي كلية الفنون الجميلة، لأن التشكيل يضيف لهم كثيراً في رسم الشخصية، وقد اقترحت المخرجة أن أجسد دوراً صغيراً عبارة عن 6 أو 7 مشاهد بشخصية مخرج إذاعي.

ألا تخاف أن يسرقك (التمثيل) من هاجسك الأساسي في الرسم والألوان؟
هي تجربة وليس لي هدف أو طموح للخوض فيها وفي حال كانت تجربتي جميلة وتوافرت لي فرص مناسبة من الممكن الاستمرار، ولكن أخاف من الابتعاد عن الفن التشكيلي وخاصة أنه يسكن بداخلي ويمثل شخصيتي بشكل أوضح.

ألوانك تشع نوراً في أغلبية أعمالك وهي بشكل عام فرحة تنبض بالحياة، لماذا هذا الابتعاد عن الألوان الداكنة؟
أحب العمل على الضوء الذي يحمل القوة والمبالغة في الظل والنور والتركيز على الإضاءة والألوان والعناصر، وعلى انعكاس الألوان والظلال، وأحب اللوحة أن تشع نوراً، وأعمل على الإيقاعات وبقع الظل والنور وهذا ما يخلق جواً درامياً للعمل ويثير دهشة المتلقي للضوء، وأستخدم الألوان الداكنة في أجزاء معينة ولكن لا أتخلى عن الضوء والظل، لأنني أرى ذلك في الواقع حين أمشي في شوارع دمشق القديمة ألاحظ انعكاس الشمس على الأحجار والأشجار وأتأملها وأقوم بتكوين مخزون بصري أجسده في لوحتي.

ما الرسالة التي تحب أن توصلها من خلال عملك؟
في بعض الأحيان رسالتي تكون تشكيلية جمالية بحتة وهي تتأثر بالظروف التي نعيشها، ومفادها أن الفن لا يموت لأنه ينشد للحب والخير والسلام والمحبة، وهو لغة راقية بين جميع شرائح المجتمع وفي مختلف البلدان، وبعيداً عن السياسة والأديان والأحزاب، وفي الظروف التي تمر بها سورية رسالتي تكون «أن الفن لن ينتهي والفنان السوري مستمر ولن يقف عن العمل وسيبقى سفيراً لبلده أينما كان».
والفنان هو مرآة المجتمع وفي الحقيقة هو معني بتصويب ما يدور في مجتمعه بجميع الظروف سلبية كانت أو إيجابية، وخلال الأزمة لم أتوقف عن الرسم وبقيت أعبر عما في داخلي من أفكار مختلفة ترمز إلى دمشق بغموضها وتناقضاتها الحالية من حزن وفرح وأمل وأجسد كل تفصيل في شوارع دمشق من منظوري الخاص.

ما طموحات سامي وإلى أين يحب أن يصل؟
أتمنى الحصول على دكتوراه بالفنون الجميلة والاستمرار بعملي وإقامة معارض داخل وخارج سورية حتى يصل الفن السوري إلى الخارج وأتمنى الاستمرار في التدريس تزامناً مع الرسم لأن العطاء جميل جداً للناس المبتدئة، وجميلة هي اللهفة لديهم وتعطشهم للمعلومة.

ماذا تقول في كلمة أخيرة؟
أتمنى أن يعم الخير والسلام على أرجاء سورية كافة ويزدهر الفن التشكيلي أكثر ويصل إلى كل البلدان العربية والعالمية.
وفي هذه الظروف التي يمر بها بلدنا يجب علينا الاستمرار في الرسم وخلق الإبداع، لأن الفن لا يموت أو ينتهي بالأزمات والحروب، والأزمة كانت المحرض للكثيرين على الرغم من أثرها السلبي على الجميع، ولكني أرى أن المعاناة تخلق وتفجر المواهب ومن شأنها صناعة فن حقيقي ينبع من الداخل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن