اقتصاد

«نابوكو المصري».. رأساً في حرب الغاز!

| علي محمود هاشم

في أعنف تحولات حرب الغاز شرق المتوسط درامية منذ تطهير الحدود السورية العراقية من «داعش» الإرهابي المستزرع بعناية فائقة هناك، ذهبت مصر المطلة على ثروة غازية مشجعة، وبقرار تم تسويقه على أنه «واع» تماماً، إلى إبرام عقد مرتبك لاستيراد الغاز الصهيوني من شواطئ فلسطين.
الحكومة المصرية، ألحقت الأمر بإعلان استيراد الغاز القبرصي عبر أنابيب بحرية، وآخر من «مصادر إقليمية» عبر تفاهمات لم يعلن عنها، وجميعه، القبرصي والإسرائيلي و«الإقليمي»، بهدف تسييله في محطات: مدينة «إدكو» التي يصدف أنها كانت مقر قيادة سلاح الجو البريطاني شمال إفريقية إبان احتلال مصر، و«دمياط» الإسبانية الإيطالية، قبل تصديره إلى أوروبا عبر «اتفاقات» مسبقة كما أفادت، وبما يكرس «دلتا النيل» كنقطة إمداد إقليمية للطاقة.
على صعيد الجغرافيا، تعاكس حركية تدفق العقد المصري/ الإسرائيلي، الاتجاهات التقليدية لمسارات الغاز شرق المتوسط ومحاكاتها خطوط الطول شمالا نحو أوروبا الرازحة تحت بيئة تنافسية شديدة الوطأة داخلياً وخارجياً، ولتبريد احتياجاتها للطاقة النظيفة المعززة باتفاق «كيوتو»، لا بل، يعاكس أيضاً مسارات تاريخية لتصدير الغاز المصري عبر أنابيب «شرق المتوسط» الممتد من العريش نحو عسقلان، و«الغاز العربي» نحو العقبة الأردنية فدرعا وحمص والموانئ السورية.. أيام بنائهما، أمل كلا الأنبوبين بالوصول للأراضي التركية واندماجهما في أنبوب «نابوكو» الناتوي، الذي كان له أن ينقل غاز بحر قزوين لأوروبا، قبل أن يطيح المتدخل الروسي به في 2009.
أما على صعيد حرب الطاقة المتصاعدة شرق المتوسط، فتعاني تطلعات مصر المتزامنة بشكل ذي مغزى مع السماح لجيشها بتطهير سيناء من الإرهابيين ومع تعمق الخلاف الأميركي مع تركيا، رزمة من التحديات الموضوعية، فمن حيث الشكل، يشير وصف الرئيس المصري للعقد الإسرائيلي بـ«مصر جابت جول»، في سياق تلميحي تنافسي إلى المرمى التركي الساعي لتركيز مقر إمداد إقليمي بدعم من الغاز الروسي، يشير إلى سياق حامٍ ارتأى تقديم الدور المصري كوريث الضرورة لفشل الاتفاق «الإسرائيلي/ السعودي» المُدار بريطانياً، في مد أنابيب «إيست ميد» من حيفا إلى قبرص، فاليونان وإيطاليا.
إن الأنبوب الأخير، ولولا إخفاق الحرب «السعودية/ أبو ظبي» على اليمن لتأمين إمدادات كافية لـ«ميد إيست»، وفشل المرجعيات الموالية لبريطانية جنوب العراق بدمج أنبوب «البصرة/ العقبة» إلى مغذياته، والأهم، ما كرّسه إخفاق الحرب على سورية من حاجة لتأخير الاندماج الجيوسياسي «السعودي/ الإسرائيلي» لزوم صيانة قدرة المرجعية الوهابية لربما في توليد إرهابيين تستلزمهم المعارك المكررة من أذربيجان وحتى شرق آسيا، لما كان لمصر المرصوفة أبداً على قائمة التقسيم، أن ترى مصانع التسييل على أراضيها وهي تعمل مجددا.
التقطت مصر اللحظة، لكنها تجاهلتها كلقطة من حرب الغاز المحتدمة على تخوم عسكرية، فـ«الجول» في المرمى التركي هو «جول» في الغاز الروسي الذي يتم ضخّه في أنابيب «السيل التركي» نحو أوروبا، والذي ما فتئ يخضع لحروب بريطانية أميركية شرسة لمحاصرة مساراته، بدءاً من إقفال البرّ الأوكراني رداً على نجاح روسيا في إغلاق صنابير «نابوكو الأول» عبر البر التركي.
وفق ذلك، قد يكون على مصر أن تمحص في وعود أوروبا باستجرار غازها السائل كبديل للغاز الروسي الرخيص، فالخلاف القائم في القارة العجوز، يعكس إصرار ألمانيا على تمرير الجيل التالي من أنابيب «السيل الشمالي» الروسية عبر أراضيها، بينما ترى بريطانيا المختبئة خلف المشاغبة البولونية، أن على روسيا تجديد عقود «السيل الجنوبي» عبر أوكرانيا التي نسيت في خضم «ثورتها» أنها تقبض نحو 8% من عائدات «غازبروم» تشكل العمود الفقري لدخلها؟!، في الواقع، وما إن يصفح الرئيس بوتين عن «ثورتها» تلك بالموافقة على تمديد عمل «السيل الجنوبي» لما بعد 2018، أو حتى نجاحه بتمريره عبر تركيا والبلقان بدءاً من العام القادم، فعلى الأرجح، لن يكون هناك أدنى جدوى للغاز المصري المسيّل.
وفق ذلك، فالنسخة المصرية لمركز إمداد الطاقة قد لا تكون مثالية، لأنها تتغذى ظرفيا من إخفاق سلسلة متقهقرة في تنافسيتها من أنساق «نابوكو»: الأولى عبر تركيا، والثانية عبر دول «كردية/ تركمانية» شمال سورية، والرابعة أميركية عبر «لواء اسكندرون»، والخامسة عبر «ميد إيست» حيفا، وهدفها الوحيد في انتزاع روسيا أوروبياً!.
هذه الرزمة من الألوان المهزومة لقناطر الطاقة، وصلت اليوم منهكة إلى مصر التي ستضيف إليها أعباء استثمارية أخرى منها ما يكتنف عملية استيراد الغاز «الإسرائيلي» والقبرصي بهدف التسييل والتصدير، فمثلا، قد تكفي تكلفة بناء أنبوب «قبرصي/ مصري» بطول 700 كم، لبناء بديل من قبرص إلى الأرخبيل اليوناني، ولكان الخيار الأفضل تصدير الغاز المصري عبره لا استيراده.. لا بل، تزيد كلفة بنائه كثيراً عن كلفة بناء محطة تسييل تصديرية في قبرص ذاتها: أنابيبا، أو عبر ناقلات!.
أيضا، إذا ما تجاهلنا –جدلاً- الغاز الروسي الرخيص إلى حدود رفض ألمانيا استيراد بديل له من شقيقتها النرويج، فكيف سيكون للمصري أن ينافس القطري المسال في مدينة رأس لفان وأساطيل نقله الأضخم في العالم نحو محطات إعادة تبخيره الممتدة من مرسيليا الفرنسية وحتى إمارة ويلز البريطانية؟!
على مصر تدارس خياراتها التجارية جيداً، فما لم يكن في الأمر دعماً غربياً مالياً مشفوعاً بعملية تطويع تشمل الغاز القطري، فلربما عليها التأني في اختيار ما لا يمكن العودة عن أضراره الاقتصادية.
من دفعوا تركيا إلى أنابيب «نابوكو الأول» في 1998، ومن «غرّروا» بها وبقطر لمدّ «نابوكو 2و3و4» عبر حثالات «الثورة السورية»، ومن وعدوا السعودية وإسرائيل «بطويل العمر» في خامسه، هم، ودون زيادة أو نقصان، من يشجعون مصر اليوم على «السادس».. هو «نابوكو»، التسمية التي يجدر بالنظام المصري الاطلاع جيداً على ترجمتها من العبرية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن