ثقافة وفن

حكاية يتداخل فيها التاريخي بالافتراضي…«حرائر».. المرافعة عن المرأة السورية ومحاولة لإنصاف تاريخي موثق بتفاصيل الحياة الدمشقية

 وائل العدس : 

أعاد مسلسل «حرائر» الكاتبة عنود خالد إلى الأضواء مجدداً بعد غياب أربع سنوات، وتحديداً منذ إنجاز مسلسل «طالع الفضة» عام 2011، كما أعاد المخرج باسل الخطيب إلى حضن الدراما بعدما تفرغ العام الماضي للسينما ليتعاون ثانية مع المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بعد «حدث في دمشق» قبل عامين.
لايندرج هذا العمل ضمن أعمال البيئة الشامية، بل يعد عملاً اجتماعياً درامياً تدور أحداثه في فترة من تاريخ سورية، ليكون أشبه بتسجيل توثيقي لها مدعمة بعناصر درامية شائقة.
ويروي قصة نساء دمشقيات عشن في عصر كانت المرأة فيه مسلوبة الحقوق والإرادة، لكنهن واجهن أسباب التخلف وما تغلغل منه في المجتمع إبان الحكم العثماني، هي حكاية الحرائر اللاتي زرعن لنحصد ثمار تعبهن.
ويتناول نماذج من المرأة السورية التي لعبت أدواراً تنويرية على امتداد تاريخ سورية، ويتخذ الخطيب منذ الحلقات الأولى للعمل موقفاً مناصراً للنموذج التنويري للمرأة خارج الخطاب التقليدي والصورة النمطية.
كما يبرز البعد الحضاري للشام ودورها في الحركة الثقافية التنويرية في المشرق العربي عبر الحركة الإعلامية الأدبية النشيطة في تلك الفترة المبكرة، من انبثاق فكرة النهضة والإصلاح في الوطن العربي والتي لم تستثن المرأة السورية منها.

إنصاف تاريخي
يشكل المسلسل ما يشبه المرافعة عن المرأة السورية في مطلع القرن الماضي، بتقديم صورة متفائلة للمرأة من حيث فاعليتها في الحياة، وتقديم نماذج من إسهاماتها الحقيقية في تطوير المجتمع، ومن ضمن الحكايات التي يرصدها العمل رحلة امرأة يتوفى زوجها وتتعرض لمجموعة من الضغوط، لكنها تقاوم لتكون شاهدة على حراك اجتماعي حقيقي للمرأة، خلافاً لبعض أعمال البيئة التي قدمت صورة تقليدية للمرأة تقتصر على دورها في المنزل.
في «حرائر» هناك محاولة لإنصاف تاريخي موثق بتفاصيل الحياة الدمشقية، وثمة صورةٌ أخرى عن دمشق، والمرأة الدمشقية خلافاً للسائد في الأعمال التي تتخذ من الشام إطاراً مكانياً لها.
ويسلط العمل الضوء على تلك المرحلة تاريخياً، واجتماعياً، ويفرد المساحة الأكبر لواقع المرأة ومعاناتها مع سطوة الرجال، والأعراف الاجتماعية الظالمة لها، عبر حكايةٍ يتداخل فيها التاريخي بالافتراضي.
ويرد على أعمال البيئة الشامية التي قدمت المرأة الدمشقية بصورة نمطية حيث دارت أحداثه في الفترة بين 1915- 1920 وهي فترة خروج الاحتلال العثماني من دمشق ودخول المحتل الفرنسي إليها، حيث تداعيات الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى على سورية.
وحرص العمل على تذكيرنا بتمايزه عن مسلسلات أخرى. فالمرأة تخرج من بيتها مكشوفة الوجه، بشكل طبيعي، من دون أن تثير حمية رجال الحارة. كما تحارب الرجل الذي يسعى لسلبها مالها أو بناتها بكلّ ما أوتيت من قوّة، بدل أن تتلقى الصفعات من دون مبرر، وتلام على خروجها من بيتها بغير إذن.

شخصية متخيلة
تشكّل شخصيّتا ماري عجمي ونازك العابد مدخلاً إلى قصّة شخصيّة متخيّلة هي «بسيمة» التي تقرّر كسب رزقها وتعليم ابنتيها بعد وفاة زوجها، لتواجه وحدها انتهازيّة وذكوريّة شقيقه «صبحي»، لذا كان التركيز عليها على حساب عجمي والعابد اللتين كانتا في بعض الحلقات مكملتين للعمل وليستا البطلتين الرئيستين وهما رائدتا النهضة الاجتماعية وحركة التنوير في الشام مطلع القرن الماضي.
تؤثر الشخصيتان الحقيقيتان، بحياة «بسيمة» التي لفتها مجتمع النساء الحقوقيات، والمتعلمّات، وساعدها الاحتكاك بهن على تحقيق نقلة كبيرة جداً، كسيدة دمشقية، تحدّت ظروفها، وظروف عائلتها، ورفضت الخنوع، أو الاستكانة للمعايير الاجتماعية السائدة آنذاك، لتحقق كيانها الخاص.
ترسل الأرملة بناتها إلى مدرسة خاصة في بيروت للتعلم في محاولة لانتشالهن من واقع يُفرض من بعض الرجال المتنفذين، لكنها لم تخل من التناقضات، فقد وافقت هذه المرأة الواعية على زف ابنتها القاصر في زواج مبكر، ووافقت على الزواج من شاب يصغرها.
وبعيداً عن المثاليّة المفرطة، يظهر العمل نماذج أخرى لنساء خانعات مثل «فايزة» التي توافق على كلّ ما يقوم به زوجها، ولا تملك سوى البكاء للاعتراض على ظلمه.

وأيضاً الرجال
بالمقابل يصور المسلسل شخصيات لرجال كانت لهم وقفتهم المتنورة، كما هي الحال مع شخصية «سعيد» الذي رفض نهج والده المتخلف المزواج في حل الأمور، وشخصية «عبدو» القادم من حرب دموية ويحمل في قلبه الكثير من الحزن والشموخ، أتى ليقف مع شقيقته التي كادت كرامتها تُداس ممن تزوج بها في ظل سكوت الجميع، فكان هو الأخ المدافع عن المرأة وحقوقها، فوقف إلى جانبها مؤكداً رسالة عمد المسلسل إلى إيصالها، وهي وجود رجال متنورين يدافعون عن المرأة، كما أن هناك نساء متنورات نادين بأهمية حرية واستقلال المرأة وعدم تبعيتها لأي كان.

خلاف على النهاية
بعد عرض الحلقة الأخيرة، اعترضت الكاتبة على النهاية إذ كتبت عبر الفيسبوك: «حرائر» هو عمل كتب بمدة تجاوزت عامين ونصف العام، رجعت فيه إلى مراجع كثيرة من كتب ومقالات ومواقع انترنت، وكان الهدف منه تقديم نساء سوريات حقيقيات قدمن لبلدهن ما لم يقدمه الرجال.
وأضافت: من بداية العمل كنت متعاونة مع كل ما يتطلبه العمل وأكثر وكان هذا التعاون غير الملزمة به يأتي على حساب ظروف صعبة كنت قد مررت بها ولكن مع ذلك لم أتقاعس عن تفضيل مصلحة مسلسلي فوق كل الظروف، ولم أشأ أبداً منذ بداية العرض أن أبدي أي ملاحظة من الممكن أن تسيء للعمل بغض النظر عن مدى قناعتي بما ظهر على الشاشة لكن أن تقدم الحلقة الأخيرة بهذه الصورة وبهذا التحريف هذا ما لم أستطع السكوت عنه. أحب أن أخبركم أن الحلقة الأخيرة كانت مكتوبة لنعرف فيها ما قامت به نازك العابد بعد أن توجها الملك فيصل برتبة نقيب شرف في الجيش السوري وهي أول امرأة تحصل على شرف كهذا عام ١٩٢٠ وبعدها خرجت نازك إلى ميسلون لتقيم مشفى ميدانياً تطبب به الجنود المقاتلين الذين وقفوا في وجه الفرنسيين. أعتذر اعتذاراً كبيراً من روح نازك العابد التي استبدل عملها الكبير بحكاية سخيفة عن «وردة» لا أعرف من كتبها ولمصلحة من كتبت وأعتذر من المتابعين أنني لم أستطع أن أوصل لهم أفكاري وجهدي كما أردتهم أن يصلوا».
بدوره أوضح الخطيب موقفه من هذا الانتقاد من الكاتبة إذ لفت إلى أنه، بعد قراءة السيناريو، وضع جملة ملاحظات في خصوص الجزء الأخير منه. إذ تراجعت الخطوط الدرامية للشخصيات الرئيسة لمصلحة سلسلة مشاهد ذات طابع تاريخيّ إخباريّ، تتضمّن مغالطات تاريخية أوضحها يومذاك لعنود. منها مسألة مَنح الملك فيصل وساماً فخرياً لنازك العابد بعد مشاركتها بمعركة ميسلون. فقد كان فيصل أول الفارين من الشام بعد سقوط ميسلون واستشهاد يوسف العظمة، ولم يكن بوارد منح أي أوسمة وقتذاك. وقال: ثم إنه، بغضّ النظر عن الواقعة التاريخية، ليس مقبولاً اليوم، بالنسبة إلينا كسوريين، أن نختم مسلسلاً يتحدّث عن تحرّر نساء الشام وتنوّرهن، بمشهد لملك حجازيّ معروف باتصالاته السرّية مع اليهود اتفاقية فيصل ـ وايزمن، وموافقته على إعطاء فلسطين لليهود ـ يمنح فيه وساماً لمناضلة سورية كنازك التي ربما لو قدّر لها أن تحيا من جديد، فستتنازل عن هذا الوسام الذي لم ولن تكون بحاجة إليه كشهادة حُسن سلوك ووطنية!.
وتابع: مقابل هذين المشهدين اللذين ألغيتهما، طلبت من عنود، وتعزيزاً لوجود نازك في جزء غابت فيه عن الأحداث، إضافة خطّ دراميّ كامل لها، وقد قامت مشكورة بهذه الإضافات بروح متعاونة عالية. أما بالنسبة إلى حكاية وردة «السخيفة»، فنوّه المخرج بأنها بالتأكيد بحاجة إلى قراءة أكثر تعمّقاً، وبعيدة عن أي مواقف مسبقة. فحكاية وردة ليست سوى سرد آخر لما يشبه حكاية بسيمة، بطلة العمل، إنّما من وجهة نظر مأساوية ومفجعة. وردة، امرأة لم يُكتَب لها أن تلامس هذا الشعاع التنويري الذي حظيت به بسيمة، ما جعلها قادرة عن الثبات والمواجهة واختيار مصيرها كامرأة حرّة. وفي موتها إجابة واضحة على كلّ ذلك.

بطاقة العمل
التأليف لعنود الخالد، والإخراج لباسل الخطيب، والإنتاج للمؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، وتمثيل: سلاف فواخرجي، وأيمن زيدان، ورفيق سبيعي، ومصطفى الخاني، وميسون أبو أسعد، وصباح الجزائري، وحلا رجب، ولمى حكيم، ونادين سلامة، ونورا رحال، ونجاح سفكوني، ومحمود نصر وآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن