من دفتر الوطن

جلسة طرب!

| عصام داري 

بعيداً عن السيـاسـة وهمومها، وعـن الحــرب والســلام، والمـوت المتنقل والحياة الصاخبة، وبعيداً عن الأحزان التي تليها أفراح، بعيداً عن كل ذلك، وعن «وجع القلبـ» ودمع العين، دعوني أصطحبكم في رحلة طرب على الورق، أو جلسة طرب تلامس بعض الأغاني ولا تدخل في عمقها.
خطرت لي الفكرة وأنا أستمع لبعض الأغاني، خاصة تلك القصائد التي نظمها شاعرنا الكبير نزار قباني وتحولت إلى أغانٍ بأصوات مطربين في مصر والعراق وسورية وغيرها.
تصورت نفسي في جلسة من الجلسات التي جمعت شاعرنا الكبير مع بعض المطربين الذين غنوا قصائده، عبد الحليم حافظ أو كاظم الساهر أو نجاة الصغيرة أو أم كلثوم، فوجدت أن حوارات جرت بهدف الوصول بالأغنية إلى ما يشبه الكمال.
على سبيل المثال، ماذا طلب عبد الحليم من نزار كتعديلات على قصيدة «رسالة من تحت الماء» وهل كانت هذه التعديلات ضرورية كي تنجح الأغنية؟
تقول القصيدة: «علمني كيف تموت الدمعة في الأحداق علمني كيف يموت القلب وتنتحر الأشواق» لكن نزار استبدل بـكلمة القلب الحب، فصارت: علمني كيف يموت الحب، وإن كان هذا التغيير لم يؤثر في «السرد الغنائي» لكن التغيير الذي شطب أكثر من «مقطع» من القصيدة يقول: «إن كنت نبياً خلصني من هذا السحر، من هذا الكفر حبك كالكفر، فطهرني من هذا الكفر» ومن الواضح لماذا تم شطب هذا الجزء من القصيدة في مجتمعنا الشرقي «المحافظ»!
وفي أغنية كاظم الساهر «زيديني عشقاً زيديني» وللشاعر القباني جاء التغيير لتجاوز كلمات «صادمة» تميز أسلوب نزار، فبدلاً من عبارة «وجعي يمتد كبقعة زيت من بيروت إلى الصين» صارت الجملة كالآتي: «وجعي يمتد كسرب حمام من بغداد إلى الصين» فأرضى غرور كاظم عندما استبدل بـبيروت بغداد، وكسر قسوة عبارة «بقعة زيت» بعبارة رومانسية «سرب حمام».
وفي مطلق الأحوال لم يتغير الذوق العام للقارئ والمستمع، لكن هناك من يرى أن الإبقاء على النص الأصلي للقصيدة كان سيعطي الأغنية ألقاً أكثر، ولو كانت هناك بعض العبارات الصادمة.
وبما أني وصلت إلى كلمة صادمة، فدعوني أعترف بأن بعض الأصوات الصادمة، بالمعنى الإيجابي للكلمة، لفتت انتباهي في الآونة الأخيرة، ومنها ما حملني إلى عالم سحري خيالي، وأعني هنا تحديداً المطربة المتألقة الواعدة ميس حرب التي سمعتها تغني بعض أغاني فيروز بتقنية صوتية عالية، بل يمكن اعتبار صوتها من النوع السهل الممتنع، فهي تطربنا ببذل أقل مجهود، ما يعني أنها قادرة على أخذنا إلى أماكن بعيدة جداً تليق بوسع مساحة هذا الصوت من القرار إلى الجواب.
وأظن أنها ستبدع في أغانٍ خاصة بها إذا توافر لها شعراء وملحنون وموزعون على مستوى راق، كما توافر لفيروز وأم كلثوم وعبد الحليم وغيرهم من عظماء الأغنية العربية.
بالمعيار نفسه نطالب بأن تهتم وزارتا الثقافة والإعلام بالأصوات السورية الشابة بعد أن تمت تصفية المواهب السورية في برنامج أحلى صوت للأطفال في قناة إم بي سي المملوكة لنظام آل سعود بعد اعتقال صاحب القناة.
أعرف أنني لم ألم بكل جوانب الموضوع فهو طويل ومتعدد الأوجه ويحتاج إلى مساحة أوسع ووقت أطول، لكن المهم ألا أكون قد أطلت على أصحاب النفس القصير والأغنية السريعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن