قضايا وآراء

التجاذبات الدولية تنجب هدنة وسط حقل من الألغام

| محمد نادر العمري

لا يعكس القرار 2401 الذي توصل إليه مجلس الأمن الدولي حتمية وجود توافق الإرادة الدولية حول إيجاد سبل وآليات التعاون فيما يخص الأزمة السورية، فالكباش السياسي والتصريحات الحادة والاتهامات المتبادلة، تشير إلى مدى حدّة الصراع القائم دوليا على الجغرافية السورية بما تتضمنه من أجندات متناقضة لكل من الفاعلين المؤثرين في إطار هذا الصراع بغرض توسيع النفوذ أو للحفاظ على قدر من النفوذ لتحقيق مكاسب سياسية عجز عن تحقيقها في الميدان العسكري.
هذا القرار يعتبر هشاً بكل المقاييس فهو جاء بعد جولة من التجاذبات الأميركية الروسية داخل أروقة مجلس الأمن وفشل كلا الطرفين من كسب التأييد لمصلحة اصطفافاته السياسية ضد الطرف الآخر، لذلك تم التوافق على هذا الاتفاق انطلاقاً من حاجة الضرورة وخشية الظهور بموقف محرج، باعتبار أن القرار له طابع إنساني، في حال استخدام الفيتو والفيتو المضاد عبر تقديم مشروعين الأول كويتي سويدي مدعوم أميركياً والثاني روسي يتضمن تعديلات لا تصب في مصلحة المحور الأول ولا يحقق مطالبه، لذلك لم يتضمن بنوداً جديدة عن سابقاته من القرارات ولكن بنوده الثلاثة عشر عبرت عن الصورة الحقيقية للعلاقات القائمة من الشك وفقدان الثقة واللجوء لكسر العظام بين الراعيين الدوليين، وافتقر صراحة لتقديم ضمانات من الدول المتدخلة في الأزمة السورية بالالتزام ببنوده، الأمر الذي يعطل إطار التسوية عبر توسيع ساحات الاشتباك أو التنقل بين حلباتها ضمن إستراتيجية الصراع الدائرة.
حقيقة الأمر أن ما يميز هذا القرار هي جملة التناقضات والألغام التي تطوق بنوده وتعوق تطبيقها وتجعله قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة وبأكثر من جبهة وبصورة خاصة في الغوطة الشرقية لدمشق العاصمة:
* تشعب العلاقة الوظيفية التي تستغلها المجموعات المصنفة بالاعتدال مع جبهة النصرة الإرهابية في منطقة الغوطة، فهذه الأخيرة تشكل خط دفاع أول بالنسبة لميليشيا «جيش الإسلام» في حماية معقله وتموضعه بمنطقة دوما، وبالتالي سقوط هذا الجدار يضع «جيش الإسلام» بين فكي كماشة الجيش السوري، إما الحسم الهادئ أو التسوية والخروج، وهذا السيناريو لن يرضي السعودية التي تبحث عن دور لها في الميدان السوري بعد حصر رعايتها لوفد الهيئة العليا للتفاوض، وستدفع نحو تحالف الضرورة مع الفصائل الأخرى وفي مقدمتها النصرة.
* غياب آليات واضحة للمراقبة والردع وبخاصة بالنسبة للمجموعات المسلحة في منطقة الغوطة الشرقية التي ستلجأ بكل الوسائل لتحقيق مآربها بما في ذلك استخدام أسلحة كيميائية أو استعراض عضلاتها عبر استخدام أسلحة جديدة من الصواريخ أو اللجوء لأسلوب التفجيرات بهدف زعزعة استقرار العاصمة دمشق.
* سعي واشنطن وحلفائها الأوروبيين لإحراج موسكو قبل بدء الانتخابات الرئاسية الروسية في الشهر المقبل وإفراغ مؤتمر سوتشي من مضمونه وفق الوثيقة الدبلوماسية المسربة للاتفاق الأميركي البريطاني من خلال جملة تكتيكات حاولت واشنطن تكريسها كأمر واقع لإضعاف موقف موسكو وسحب زمام المبادرة من بين أيديها، ابتداء بما تضمنته ورقة «اللاورقة» وصولاً إلى إيجاد ذرائع بمظلة إنسانية أو كيميائية لشن عدوان ثلاثي أميركي إسرائيلي فرنسي على دمشق تزامناً مع هجوم تشنه المجموعات المسلحة التي دربتها واشنطن في قاعدة التنف من جهة البادية باتجاه الريف الدمشقي لتخفيف الضغط عن مقاتلي الغوطة.
* إمكانية تطبيق القرار 2401 ونجاحه هو رهن سلوكيات الدول الإقليمية تجاهه ومدى التزامها به، فموقف التركي يبدو أنه متجه نحو استمرار عدوانها على عفرين، وكذلك أميركا مازالت تسعى لاقتطاع قسم من الجغرافية الشمالية الشرقية للحفاظ على نفوذها وتثبيته بذريعة محاربة داعش وفق ما تضمنته تصريحات العديد من المسؤولين الأميركيين وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترامب الذي بات وفق كل المؤشرات خاضعاً لمؤسسات الدولة العميقة فضلاً عن تخصيص 4 مليارات دولار لتحقيق هذه الغاية خلال مدة عام وفق الوثيقة الدبلوماسية التي سربتها السفارة البريطانية في واشنطن، إضافة إلى السلوكيات الإسرائيلية التي مازالت تراهن على تحقيق بعض مطالبها وعبرت عن رفضها لحسم الغوطة الشرقية وفق ما تحدثت عنه صحيفة «هآرتس» المقربة من حكومة بنيامين نتنياهو قبل يوم من التصويت على القرار 2401 عندما أعلنت «أن تغير قواعد الاشتباك مع دمشق بعد العاشر من شهر شباط الحالي، إضافة إلى توجه الجيش السوري نحو الغوطة الشرقية، قد دفعا الكيان الإسرائيلي إلى تعديل سياسته والعمل على زيادة دعمه لأكثر من عشر فصائل في الجنوب السوري»، وقد لا يستغرب أن يكون «جيش الإسلام»، الذراع العسكري للسعودية في سورية، أحد هذه الفصائل المدعومة إسرائيلياً على الأقل من حيث المعلومات الاستخبارية، وقد لا نتفاجأ في حال إقدام الطيران الإسرائيلي من استخدام الأجواء اللبنانية مجدداً أو محيط المتوسط أو الأراضي المحتلة لشن عدوان جديد على سورية بغرض تشتيت انتباه الجيش السوري ووقف زحفه باتجاه الغوطة، لأنه في حال استعادة السيطرة على الغوطة الشرقية سيوجه محور المقاومة صفعة جديدة للكيان الصهيوني عبر تعزيز الخط البري عبر البادية والقلمون وصولاً للضاحية في بيروت، إضافة لتعزيز الخط الجوي عبر توسيع دائرة الأمان حول مطار دمشق الدولي الذي تعتبره تل أبيب أحد أهم الأهداف في بنك استهدافاتها.
نجاح موسكو مجدداً من كسب جولة دبلوماسية جديدة وعدم سماحها باستخدام الأمم المتحدة كمنصة لتحقيق المآرب الأميركية، ونجاحها أيضاً في انتزاع دولي مجدداً بوحدة السيادة السورية واستقلالها وفق ديباجة القرار، وجهدها في توسيع دائرة مناطق خفض التصعيد لتشمل كل سورية بعدما عرقلت السعي الأميركي في تجنيب جبهة النصرة من دائرة الاستهداف، فضلاً عن الرسائل الردعية التي حملتها وصول طائراتها «سوخوي 57» ذات القدرة الاستخباراتية في كشف أي تصعيد محتمل للطائرات الأميركية الحديثة في الساحة السورية تزامناً مع الانتخابات الرئاسية الروسية، واستكمال إحكام الطوق السوري على محيط الغوطة الشرقية واستمرار المجموعات المسلحة ومن خلفها الدول الداعمة لها باللجوء إلى وسائل غير شرعية واستمرار تنصلها من التزاماتها، قد تشكل الشرارة لتفجير البارود في حقل الصراع السوري، وهو ما استعدت له دمشق جيداً من إعادة تموضع ونشر قواتها وكذلك ثبات موقف محورها المقاوم من بغداد التي رفضت الضغوط الأميركية لبقاء قواعدها مروراً بطهران التي أكدت على لسان رئيس هيئة الأركان العامة لقواتها المسلحة، اللواء محمد باقري، أنه يتعين تطهير كل الأراضي السورية من لوث الإرهابيين في غضون الأشهر القادمة لينعم الشعب السوري بالأمن والاستقرار، فضلاً عن موقف موسكو المتشدد في التصدي بحزم لمحاولات نسف التسوية السياسية في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن