شؤون محلية

أفكار ورؤى حول إعادة بناء مؤسسات الدولة

| نبيل الملاح

تحدثت في المقالين السابقين عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأستكمل في هذا المقال الحديث عن السلطة القضائية.
يسأل البعض: هل القضاء سلطة أم مؤسسة؟ أعتقد أن القضاء هو في الأساس مؤسسة من مؤسسات الدولة، لكنها المؤسسة الرافعة لجميع مؤسسات الدولة الأخرى، فهي التي تحمي المواطنين وتعيد لهم حقوقهم المسلوبة، وهي التي تحمي الأموال والممتلكات العامة، وهي التي تسهر على تطبيق القوانين والتشريعات التي تقرها السلطة التشريعية، وهي التي تصوب أداء السلطة التنفيذية عندما ينحرف أحد أعضائها ويتجاوز الأنظمة والقوانين. وبالتأكيد فإن اعتبار القضاء مؤسسة لا ينقص من شأنه أبداً، فالمؤسسات هي عنوان بناء الدولة والحكم الرشيد، وهي التعبير الأهم عن نظام الحكم المدني الديمقراطي، والقضاء بهذا المفهوم هو سلطة كالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، بل هو أهم سلطة من هذه السلطات لأنه الحامي والضامن لتطبيق القانون وإنفاذ أحكامه؛ لكنها سلطة مستقلة لا يجوز للسلطات الأخرى التدخل بأحكامها ومحاكمها والتداخل مع قضاتها. وهذا لا يعني أن هذه السلطة هي سلطة مطلقة لكل قاضٍ – كما يعتقد البعض- فالسلطة بأساسها هي لمؤسسة القضاء التي يمثلها مجلس القضاء الأعلى، حيث نص الدستور على أن السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال، يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى، ونص على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
إن الشوائب التي لحقت بالقضاء وأساءت إلى سمعته أصبحت واقعاً مريراً لابد من التصدي له لإزالة هذه الشوائب بجدية وحزم وسرعة منعاً لتطورها وأن تصبح أمراضاً مستعصية يصعب ويستحيل معالجتها، وهذا ما دعاني إلى كتابة سلسلة مقالات في صحيفة «الوطن» تحدثت فيها عن واقع القضاء وما نص عليه الدستور وقانون السلطة القضائية وقدمت بعض الاقتراحات والرؤى لتحقيق شعار «نحو قضاء سريع وعادل».
إن القضاء ملاذنا جميعاً حكاماً ومحكومين، وهذا ما يدعوننا إلى المطالبة بتحصينه ورفعه إلى المستوى الذي ينأى به عن الشبهات ويجعله موضع ثقة الجميع، ويجعل القضاة بمنزلة رفيعة بعلمهم وسلوكهم ونزاهتهم وتواضعهم.
إن حسن سير العدالة هو الهم الأكبر للناس ويأتي على رأس همومهم المعيشية، وهذا يدعو إلى العمل الجدي والمسؤول لتقوية جناحي العدالة (القضاة والمحامين) وتحصينهما. والعدالة تعني الجميع ومن حق الجميع وعلى الجميع أن يجعلها في أول سلم أولوياته بصدق وأمانة، فالعدل هو أساس الملك، وأنا أقول إن العدل هو جوهر الحياة وأساسها.
إن مرحلة ما بعد الأزمة التي سيتم خلالها إعادة البناء بكل أشكاله، تتطلب البحث عن رجال دولة يتمتعون بالعلم والخبرة والنزاهة التي تؤهلهم لحمل مسؤولية إعادة البناء وإعادة اللحمة الوطنية، ولن يتم ذلك من دون التوافق على مبادئ أساسية لنظام الدولة السياسي والاقتصادي، ومن دون التركيز على مكافحة الفساد بشكل جاد وفعال.
إن بناء سورية المستقبل هو مسؤولية الجميع دون استثناء، ومن واجب وحق الجميع المشاركة فيه وتقديم الرؤى والأفكار الناجعة بعيداً عن التنظير والتعصب والاستئثار.
وإن كل ذلك يجب أن يتم انطلاقاً من الواقع بتكريس الإيجابيات ومعالجة السلبيات والسعي للتخلص من الأمراض التي أصابت الدولة والمجتمع بعزم وحزم.
وعلينا أن نتقن لغة الحوار، فهي لغة العصر العالمية.
وعلينا أن نجعل العقل سيد القرار.. والمنطق حيثياته.
باحث ووزير سابق

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن