ثقافة وفن

أرأيت الجهل؟

| إسماعيل مروة

أرأيت ذاك الذي يعتمر عمامة، ولا يحفظ آية من قرآن؟! بل أرأيت ذلك الذي لا يجيد القراءة في القرآن وهو يلبس جبة وعمامة وتوابعهما، وحين يطلب إليه أن يقرأ آية من إحدى السور الطوال، فإنه لا يعرف إن كانت سورة يوسف قبل الأنعام بالترتيب، فيهرع إلى الفهرس ليعرف رقم الصفحة وليته لم يعرف رقمها، لأنه عندما قرأ ظهرت حقيقته جلية واضحة، فهو لا يميز بين الفعل المعلوم والمجهول، ومن ثم لا يعرف الاسم من الفعل، وأكثر من ذلك يغضب حين يصحح له محاوره، ويطلب منه أن يصبر لأنه يصحح لنفسه، ما يجعلنا نخجل من أنفسنا ونحن نتابع، فالقراءة والخطأ والتصحيح كنا نمارسه عندما كنا في الأول الابتدائي، وقبل أن نجيد الوضوء! فكيف بشيخ يلبس علامة العلم الشرعي ويفتي؟! والأمر لا يقف عنده، بل يأتي إلى المحاور الذي يلبس الزي الديني نفسه، ويقوم بسؤاله وإحراجه على الشاشة، وعلى مرأى من الناس! أليس الأجدى أن يهدي إليه عيوبه لعله يهتدي؟! ألم يعتوره شيء من ألم وهو يسمعه ويحاوره؟! ألم يتخيل سلبية هذه البطولة على جاهل هو يعرف جهله بشكل تام؟!
أفهم أن يخرج علينا علماني في إحدى الشاشات ويقول (سورة الرمز) بدل (سورة الزمر) مع أن ذلك غير مسوّغ بما أنه طوّب نفسه على أنه مفكر، وكتبه تقتحم الأعين، ومشاركاته في أهم المؤتمرات والمنتديات أكثر من أن تحصى! ومن يعمل على التصدي للفكر الآخر فعليه أن يلمّ به، ومع ذلك أفهم هذا الخطأ وإن كنت لا أسوّغه، أما أن يصدر خطأ فادح من ابن المهنة والعلم، فهذا أمر لا يحتمل!
فتصور أن أحدهم، وقد حصل، يقول: أوس القرني، ولا يعرف هذا الأشعث الأغبر الذي لو أقسم على اللـه لأبرّه!
في كل ميدان تنتابك الدهشة والصدمة وأنت تتابع وتقرأ عندما تجد أحد الذين يحملون الألقاب العلمية الرنانة ويحدثك بالمنامات التي تتجاوز الحدّ المسموح للعقل بالقبول به، مهما كان مستواه العلمي والأكاديمي، فيضيع كل علمه لأنه جارى البسطاء ليكسب ودهم وحبهم وشعبيتهم… وعندما ينهال عليك أحد الذين يدعون إلى التسامح والحب والود ويبدأ حديثاً لا ينتهي كل ما فيه يدعو إلى التعصب والتقهقر والتراجع!!
وعندما تتحدث إلى إعلامي في الإعلام المقروء أو المسموع أو المرئي لتقول له: حاول أن تهتم بالفصيحة ما أمكن، وتقبل من الفصيحة الدارجة ليبتعد عن العامية، فيقول لك: أنا لست متخصصاً، والإعلام بحاجة إلى بساطة ومسايرة للناس…! وكل محاولاتك معه للارتقاء درجة باللغة تذهب أدراج الرياح… وتقطع الأمل منه في أن تقوّم لغته، وقد وقعت بيني وبين عدد منهم خلافات بعد حوارات، ومع أنني لست متشدداً إلا في السلامة اللغوية، فقد وصفوني بالتشدد اللغوي…!
واليوم ونحن نحتفي باللغة الأم، ولغتنا الأم هي اللغة العربية، فإن المطلوب منا أن نعمل من أجلها لا أن نتغنى بها وبجمالها، فمهما تحدثنا عن جمالياتها وإعجازها وقرآنها، فإن هذا الحديث يبقى حديث ذات لا يصل إلى أحد ولا يقنع أحداً.. والمطلوب من أبنائها، ومن المجمعيين خاصة أن يعطوها سبل الانتشار والحب، ولا أقول البقاء، فهي باقية، وعلى إعلامنا وأساتذته أن يسعوا إلى لغة فصيحة مقبولة وتسير على الألسنة، وتدفع إلى الحب لا النفور من اللغة باستخدام الغريب من الألفاظ لإثبات المقدرة… ولا يقبل من إعلامي يتحدث العامية أن يخطّئ الآخرين وهو يجهل أي خصيصة لغوية، وتراه فجأة يأخذ مكان سيبويه ليدافع، وليته دافع عن صواب، بل دافع عن خطأ صريح وواضح!!
أرأيت كيف صرنا جاهلين شرعنا ولغتنا وذواتنا؟!
العمل والحياة في الحاضر ومعرفة القدر الحقيقي وراء خروجنا من كل أزماتنا.. المشكلة في الثقافة وليست المشكلة في سواها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن