قضايا وآراء

أزمة.. «الحرب على سورية»

إياد إبراهيم : 

باتت الصفة التي تطلق على ما يحدث في سورية منذ خمس سنوات تقريباً مثار جدل في الأوساط الإعلامية، فالمصطلح السائد حتى اليوم في معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية والمحلية (للأسف) هو «الأزمة السورية».
وفي حقيقة الأمر، فإن ما يحدث في سورية هو «حرب» سواء كانت بالوكالة أم بالأصالة، وإلا فماذا يدعى احتلال مناطق ومدن بكاملها من مسلحين، الفرق الوحيد بينهم وبين جنود الاحتلال هو في الشكل واللباس والراية التي يرفعون، وكيف يمكن وصف استخدام المدافع والدبابات والصواريخ من هؤلاء، بالأزمة أو بالأحداث..!
واذا لم يكن إطلاق قذائف الهاون على المدن السورية، وقنص المارة بأحدث الأسلحة حرباً فماذا يكون؟
وإذا لم تكن عملياتهم الانتحارية لاقتحام مواقع الجيش السوري عمليات حربية فما هي إذاً؟
وإذا لم يكن قطع طرق إمداد الجيش السوري تكتيكا حربيا، فماذا يكون، وماذا يمكن أن نسمي غرفاً كغرفة «موك» مثلا، هل هي غرف لتنسيق الدعاء إلى الله، أم هي مراكز قيادة المعارك الحربية المعادية..؟
إن استخدام أي مصطلح لتوصيف ما يحدث في سورية غير مصطلح «الحرب» هو اعتداء على دماء الشهداء وتضحيات السوريين الذين عانوا وما زالوا يعانون على جميع الصعد في مواجهة الإرهاب الذي يعتدي منذ سنوات على حياتهم.
فالأزمة مهما بلغت والأحداث مهما عتت، تبق أقل بكثير مما يحدث، فالأزمات لا تدمر البنى التحتية للبلاد وإن عطلتها، والأزمات لا تخلف عشرات آلاف الشهداء وإن خلفت إصابات أو جرحى، والأزمات لا تحتل مدنا بقوة السلاح الثقيل وإن احتلت ساحات ومرافق.
إن تحليل الواقع السوري يظهر أن عبارة أزمة هي جزء ضئيل جداً من الحقيقة، والحقيقة أن ما يحدث في سورية هو حرب كونية خلقت أزمات عديدة، واختلقت أحداثاً بصور مختلفة لتحقق غايتها بإسقاط الدولة السورية القائمة واستبدالها بدولة خنوعة تسبح في فلك الولايات المتحدة الأميركية، أو تدمير سورية وجعلها عاجزة عن لعب دورها الوطني، فهناك أزمة سياسية، وأزمة اقتصادية، وأزمة أخلاقية، وأزمة فكرية، وأزمة سكانية، وأزمة تشريعية، وأزمة أمنية، ولكل أزمة تفرعات ترقى إلى مستوى أزمة قائمة بذاتها.
هذه الأزمات جميعها نتجت عن الحرب الدائرة على الأرض السورية والتي تهدف إلى النيل من موقف وكيان الدولة الوطنية، حرب تعمل وتستمر إلى اليوم بفعل جهد دولي لم يسبق له مثيل في التاريخ دون مبالغة، إذ رصدت هذه الدول مئات مليارات الدولارات تنفقها في التجنيد والتسليح وشراء الذمم والولاءات وتصنيع المواقف الشعبية والسياسية وإضرام الحرائق وخوض المعارك وتشكيل العصابات والجماعات المسلحة بأسماء وأشكال تتبدل وفقا لخطط ترسمها غرف حرب حشد فيها جموع من الخبراء النفسيين والعسكريين وخبراء الاتصال والتواصل انتشرت على محيط البلاد من جميع جهاتها حتى من السماء عبر الأقمار الصناعية، كل ذلك بهدف إلغاء تأثير سورية في محيطها الجغرافي وإنهاء دورها وطنيا وفكريا وسياسيا واقتصاديا وأخلاقياً وديموغرافياً وأمنياً.
فهي إذا حرب على سورية أنتجت متعمدة جملة من الأزمات بهدف القضاء على الدولة السورية.
على الرغم من كل ذلك، لا تزال صحف محلية، وقنوات وطنية، تضرب عرض الحائط بكل تلك الدماء وكل ذلك الدمار، وتعود لتبسط الأمر واصفة إياه «بالأزمة»، حتى غدا البحث في استخدام المصطلح المناسب لوصف ما يحدث في سورية بحد ذاته أزمة تثير سجالا.
وربما كانت «ثالثة الأثافي» انخراط من اصطلح على تسميتهم المحللين السياسيين في هذه الأزمة، فعدد قليل منهم يصنف ما يحدث في سورية بوصفه بالحرب، بينما يعمد آخرون إلى التنويع، فيعتقدون أن استخدام المصطلحات كلها ربما يشكل مخرجا يعفيهم من حرج التفسير.
لا نزال رغم كل هذه الدماء وهذا الخراب ننساق مع صخب الإعلام المعادي وهو يسلبنا حقوقنا في الدفاع عن مواقفنا وقضايانا، عبر تسويق مصطلحات تضعنا في خانات سرعان ما نندم لانجرارنا إليها، هم أرادوا أن تكون أزمة لا حرباً، لأن الأزمة تنشأ بين صاحبي حق اختلفا في وجهات النظر، ما يبرر لهم الوقوف مع أحد الطرفين، ونحن علينا أن نصر على وصف الحقيقة بأنها حرب واعتداء قامت به دول بطريقة مختلفة.
إنها «حرب» و«اعتداء» وحسب..!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن