من دفتر الوطن

الفساد أمر طبيعي

| حسن م. يوسف

انتهيت قبل الشروع في كتابة هذه الكلمات من قراءة التقرير الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية بتاريخ 21 شباط 2018، وشمل 180 بلداً وإقليماً. وخلاصته أن أكثر من ثلثي البلدان المشمولة بالتقرير «حصلت على درجة تقل عن 50 نقطة»، وهذا يعني أن ثلثي دول العالم مصابة بسرطان الفساد!
الشيء الذي استوقفني وأنا أفكر بقضية الفساد، هو أن الحديث عنه قد تحول إلى موضة، وخاصة بعد أن أعلنت الأمم المتحدة التاسع من كانون الأول يوماً دولياً لمكافحة الفساد، وصدور اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2007 وهي اتفاقية عرمرمية تقع في 71 مادة وتتضمن مئات البنود!
خلاصة ما جاء في معاجم اللغة أن «الفساد» يعني البطلان، إذ يقال فسد الشيء، أي بطُلَ واضمحل، وقد عرَّف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بأنه: «انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة».
أخطر أنواع الفساد، هو فساد السياسيين: الذي يتجلى في إساءة استخدام السلطة بغية اختلاس المال العام، وممارسة المحسوبيات، والرشوة، والابتزاز، إذ غالباً ما ينتج عنه تقويض عملية التنمية وتسهيل النشاطات الإجرامية مثل تجارة المخدرات وغسيل الأموال… الخ. ومن شأن الفساد السياسي أن يشل قدرة المؤسسات الحكومية على أداء مهامها الطبيعية. يليه في الخطورة فساد الإدارات، ويتجلى في مخالفة القوانين والأحكام الإدارية والمالية. وغالباً ما يسوّغ الإداريون الفاسدون سلوكهم بضرورة تجاوز الروتين الذي هم سبّبه! ومن المعروف أن الفساد الإداري يؤدي في مؤسسات القطاع العام إلى تشوهاتٍ اقتصادية تُحولها من قوة لتعزيز خير المجتمع ورفاهه، إلى عبء عليه، ما يخلق حالة من الاستعصاء في عملية التنمية تشبه السرطان.
ولكي ندرك حجم الخطر الذي يمثله سرطان الفساد اسمحوا لي أن ألفت عنايتكم إلى حقيقة مرعبة توصل إليها علماء الاقتصاد في جامعة ماساشوسيتس مفادها أن «… تهريب رؤوس الأموال من 30 دولة إفريقية خلال الفترة بين 1970 و1996، قد بلغ 187 مليار دولار وهو ما يفوق مديونيات هذه الدول مجتمعة».
المضحك في الأمر هو أن أكثر الحكومات العربية اهتراء وفساداً قد بددت وقتاً طويلاً في إنشاء هيئات للنزاهة ومكافحة الفساد ووضع إستراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد، وإنشاء هيئات للحَوْكَمة الرشيدة ومكافحة الفساد… الخ. والهدف من هذه الهمرجة ليس الدفاع عن الخير العام بالطبع، بل خلط الأوراق وذر الرماد في العيون والتغطية على فساد من يطالبون بمكافحة الفساد بغية إطالة أعمارهم على الكراسي إلى أقصى حد ممكن. وغالباً ما تستهدف حملات مكافحة الفساد المعارضين أو المنافسين المحتملين من دون غيرهم كما حدث في السعودية مؤخراً، إذ لم تشمل حملة مكافحة الفساد مؤيدي الأمير محمد بن سلمان، والموالين له.
أثناء الحديث المتصاعد عن الفساد ينسى الناس أن الفساد أمر طبيعي، إذ لو وضعنا تفاحة نضرة لفترة من الزمن من دون لمسها، لفسدت مع الوقت بفعل آلية الفساد الكامنة فيها. فكل شيء في هذا العالم معرض للفساد، ولولا ذلك لما تحولت جثث الأجداد إلى نفط.
أعتقد أن الحديث عن مكافحة الفساد هو مضيعة للوقت! لكونه يعاكس الطبيعة التي نحن مجرد جزء بسيط منها.
إن مكافحة الفساد السياسي، هو أمر عديم الجدوى كمكافحة التفاح المهترئ! فالحل الأبسط والأكثر صحة، هو إبعاد التفاحة المهترئة من (الصندوق) قبل أن ينتقل الاهتراء إلى التفاحات المجاورة لها، وذلك لا يكون إلا بدولة المواطنة وسيادة القانون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن