ثقافة وفن

الوضوح المدهش

| إسماعيل مروة

يمكن أن نجد مسوغاً للضعف عند أحدنا إن كان يجهل نقاط قوته ونقاط ضعفه، ونقاط قوة الآخر ونقاط ضعفه! ويمكن أن نفهم خروج أحدهم في العتمة ليتناول خصمه ويرديه! ونجد مسوّغاً لمن لا علم له بأي أمر أن يفاجأ! لكن الأمر الذي لا يمكن تسويغه أو قبوله أو فهمه هو أن يكون الوضوح في أي أمر قد بلغ حدّ الإدهاش، بل أكثر من الوضوح نعرفه بدقائقه، ونعرف الطرائق، ونكتفي بالتنظير، ونتشدق بالمعرفة… منذ عقود متطاولة قرأنا (بروتوكولات حكماء صهيون) وتبارينا بطبعها ونشرها وتوزيعها، فأدخلت الهلع والخوف في نفوس كثيرين ممن قرؤوا، بل تصدى عدد من الكاتبين الأميين ثقافة وسياسة للكتابة عنها وتحليلها، وكتب حولها قادة وضباط، وفرحنا عندما عرفنا أنهم يفهمون هذه البروتوكولات، سواء آمنا بحقيقتها أم بمبالغتها، والذي ظهر أن نشر هذه البروتوكولات أدى دوراً سلبياً، إذ أدخل الخوف والهلع لدى الناس عامة، وبدا الصهاينة مخلوقات لا يمكن أن تقاوم، وتسيطر على العالم، ولا إمكانية لمجابهتها بأي وسيلة، فألقى الجميع الأسلحة أمامهم.. وقرأنا «أحجار على رقعة الشطرنج» ورأينا التحكم بالعالم والحكومات، وصار الجاهل يتحدث عن حكومة العالم الخفية وتحكمها بكل مسار في الحياة، وصرنا نسوّغ عجزنا عن فعل شيء، بأن ذلك مقدر ولا يد لنا فيه، هكذا تريد حكومة العالم الخفية، هكذا تريد الماسونية؟! هل صحيح أن كمّ الفساد هو من صنعهم؟ وهل بإمكان أحد في العالم أن يمنعك من القراءة والمعرفة والثقافة والانفتاح؟ إن أعتى الأمراض لم تمنع المعري وابن سيدة وطه حسين من الإبداع والتعملق، فهل أومن بالمؤثر الداخلي أكثر؟
قرأت كتابين للصديق الدكتور سامي مبيض «شرق الجامع الأموي- الماسونية» و«غرب كنيس دمشق- اليهودية» وفي كلا الكتابين قرأت أشياء أعرفها سابقاً، وأشياء كثيرة لم أكن أعرف عنها شيئاً، ولمست حرص الصديق الدكتور على أن يترك للقارئ حرية التفسير، وبعد قراءة الأول طرحت أسئلة لم أحظ بجواب عنها عن الماسونية وحقيقتها، وأعود لأطلب أن تكون الثقافة التشريحية متاحة للجميع، من دون أن نقف أمام بعبع ونحن نجهله جهلاً تاماً… وبعد قراءة الثاني وقفت حائراً أمام حركة التاريخ الحديث، وما فعلته الصهيونية العالمية، وخاصة في مرحلة ما قبل تأسيس الدولة العبرية الصهيونية المحتلة، وقد كان الحديث واضحاً بين المنظمة الصهيونية والقادة العرب والسوريين في مطلع القرن العشرين، والنتائج كانت معروفة، ومع انتهاء قراءة الكتاب أصبت بإحباط شديد، فما دام وايزمان وشاريت يطلبان من العرب مساعدتهما في هجرة اليهود لتأسيس دولة إسرائيل، وقد جوبها بالرفض المطلق، ماذا فعلنا في المقابل؟ مرت سنوات عشر ليبشر وايزمان بقدوم الصهاينة وبنجاحهم، ولم نجد أي تصرف عربي على أرض الواقع! وكل ما وجدناه في ثمانية عقود هو التهافت لإرضاء الصهاينة، فهل يكون كل تاريخ العرب الحديث محصوراً في تسهيل قيام إسرائيل اليهودية؟
لا شك في وجود مؤامرة، ولكنها كانت واضحة وضوحاً تاماً، وكان بالإمكان التخفيف من آثارها وكوارثها، ولكننا لم نفعل شيئاً سوى الرفض، وما أقرته بريطانيا من قرار التقسيم في عصبة الأمم لا يستطيع العرب ولو اجتمعوا الوصول إلى نصفه في المكتسبات.. وكل ما فعلناه الرفض، ولا بأس من التمسك والرفض وعدم القبول بالاستسلام، لكن شريطة أن نصل إلى الأفضل..!
كل ما أرادته المنظمة الصهيونية حصل وزيادة، وكل ما رفضه العرب كان لمجرد الرفض، مع أن اللعب كان واضحاً وعلى المكشوف وفوق الطاولة، وأحسن ما وصل إليه العرب مجتمعين هو إنهاء العرب كأمة، لتكون إسرائيل الكيان هي المتحكم، وهي الأقرب إلى وضعهم الحياتي، ولا بأس من حرق مصر والعراق وسورية واليمن وتونس وما شئت… لكن المؤامرة لن تمر، فالعرب يعرفون نيات الصهاينة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن