الأولى

بلاد الشام.. بنظر الرئيس الفرنسي

| تيري ميسان

إنه هو بعينه، جان بيير جوييه، أحد كبار المسؤولين، ومستشار الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، الذي أرسى دعائم سياسة فرنسا الخارجية الجديدة، المعادية لروسيا والموالية لبريطانيا.
تم تعيينه في شهر أيلول من العام الماضي 2017 سفيرا لفرنسا لدى المملكة المتحدة، وفي كانون الثاني من العام الجاري 2018، أعاد البلدان إطلاق تعاونهما الدبلوماسي والعسكري، وشكلا خلال الشهر نفسه، هيئة تدعى «المجموعة الصغرى» لإحياء مشروع الاستعمار الفرنسي البريطاني لبلاد الشام.
ففيما يتعلق بهذه المنطقة، تبنى الرئيس ماكرون وجهة نظر سفير فرنسا السابق في دمشق ميشيل دوكلو، وهو واحد من المحافظين الجدد الأصلاء، الذي تدرب في الولايات المتحدة على يد جان ديفيد ليفيت، إبان ولاية جورج بوش الابن.
لكن السفير دوكلو ما زال حتى الآن غير قادر على استيعاب حقيقة أن الإخوان المسلمين، هم إحدى أدوات جهاز المخابرات البريطانية «إم. آي6»، وأن لندن لم تهضم حتى الآن مفاعيل اتفاقية سايكس بيكو- سازونوف التي جعلتها تفقد نصف إمبراطوريتها في الشرق الأوسط، لذا، فهو لا يرى أي إشكال في «الوفاق الودي» الجديد الذي جرى عقده مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
بيد أنه صار بوسعنا أن نقيس بعض التناقضات في هذه السياسة الجديدةـ فقد تبين لدى تطبيق قرارات «المجموعة الصغيرة»، أن فرنسا عادت إلى أساليب فريق الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في تزويد الأمم المتحدة بمواقف موظفيها من المعارضة السورية أي أولئك الذين يدعون الانضواء تحت العلم الأخضر إبان الانتداب الفرنسي على سورية، لكن الزمن تغير.
رسالة رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة نصر الحريري، التي أرسلها باسم فرنسا إلى مجلس الأمن، تهين ليس سورية فحسب، بل روسيا أيضاً، لأنها اتهمت إحدى القوتين العسكريتين العظميين في العالم، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهذا ما يتناقض تماما مع موقف «الوسيط» الذي تمثله روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن.
إذا افترضنا أن موسكو فضلت عدم الرد وتجاهل هذا التباعد في المستوى اللغوي، إلا أن دمشق ردت بقسوة وجفاء.
وفي نهاية المطاف، لا تختلف سياسة إيمانويل ماكرون كثيرا عن تلك التي انتهجها كل من الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي ثم فرانسوا هولاند، حتى على الرغم من وجود رئيس شعبوي في البيت الأبيض، إلا أن سياسة ماكرون تتميز بالتبعية لبريطانيا، أكثر من تبعيتها للولايات المتحدة، كما لا يزال قصر الاليزيه يحلم بفكرة حدوث انتعاش اقتصادي لشركات بلاده المتعددة الجنسيات، ليس في فرنسا، بل على امتداد إمبراطوريته الاستعمارية السابقة، وهذا تماما خيار الزعيم الاشتراكي غي موليه ذاته، وهو أحد مؤسسي «مجموعة بيلدربيرغ» الشهيرة.
هنا لابد من الإشارة إلى أن رئيس المجلس الفرنسي قد عقد في عام 1956 تحالفا مع كل من لندن، وتل أبيب للاحتفاظ بأسهمه في قناة السويس، إثر إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تأميمها، واقترح على نظيره البريطاني أنطوني ايدن آنذاك، استعداد فرنسا للانضمام إلى حلف الكومنولث، وتقديم الولاء للتاج البريطاني، واعتماد الفرنسيين نظام المواطنة المتبع في ايرلندا الشمالية، بيد أن مشروع التنصل من النظام الجمهوري، وإدماج فرنسا في بوتقة المملكة المتحدة، تحت سلطة الملكة إليزابيث الثانية، لم يخضع لنقاش علني بتاتا.
في النهاية، أياً تكن المثل العليا للمساواة في الحقوق، التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789، ورفض الشعب الفرنسي للاستعمار، الذي عبر عنه بوقوفه في وجه الانقلاب الفاشل عام 1961، فإن السياسة الخارجية لفرنسا في نظر الطبقة السياسية الفرنسية، ليست من مخرجات الديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن