ثقافة وفن

«صخب» عرض تخرج الفصل الأول لطلاب التمثيل … مواهب شابة على طريق النجومية بأداء مختلف ربما يغيّر المقاييس

| وائل العدس

يقضي طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية أربع سنوات على مقاعد الدراسة، قبل أن يودعوا الحياة النظرية ويدخلوا المعترك الفعلي على الخشبات وأمام الكاميرات في طريق لن يكون مفروشاً بالورود.
هذه الدراسة مهمة وضرورية لتكوين فكر أي ممثل لكنها لا تكفي بكل الأحوال للوقوف أمام الكاميرا من دون موهبة وجرأة وأذن مصغية للتوجيهات، وبالتأكيد فإن الوصول إلى النجومية حلم يلهب خيال الجميع، في سباق لاهث ومحموم، لا مكان فيه لأنصاف المواهب.
قبل يومين، اختتم طلاب السنة الرابعة من قسم التمثيل عرض تخرج الفصل الأول بعنوان «صخب» عن نص «صخب في كيوتسا» للكاتب الإيطالي كارلو جولدوني تحت إشراف المخرج المسرحي والممثل عروة العربي على خشبة الراحل فواز الساجر في المعهد، وهي المسرحية نفسها التي قدمها النجم أيمن زيدان قبل 28 عاماً لمصلحة المسرح القومي تحت عنوان «فضيحة في الميناء».
وقدم العرض 11 طالباً هم بشار أبو عاصي وجولييت خوري وحسام السلامة ورُسل الحسين وساندي نحاس وعلياء سعيد وغيث بركة وخالد شباط ونادر عبد الحي ونور علي ووليم العدون، وهو من إنتاج وزارة الثقافة والإشراف العام لعميد المعهد العالي جيانا عيد، وموسيقا رعد خلف والتنسيق الإعلامي الزميل ملهم الصالح، إضافة إلى فريق كبير من السينوغرافيا والماكياج والإضاءة والصوت والديكور والخياطة والمتابعة.

كوميديا مرتجلة
تنتمي المسرحية إلى الكوميديا السوداء المرتجلة، حاملة معها الحذق والطرافة والإنسانية في رسم شخصياتها وعلاقاتها على الصعيد النفسي والاجتماعي، راوية أحداث بلدة يعيش سكانها صراعات وخلافات لا تنتهي.
هذا النوع من المسرح لا يقدمه إلا المحترفون، وخاصة أن أداء الممثل يعتمد على الحركات الإيمائية والراقصة والألعاب البهلوانية التي تتطلب لياقة وليونة، وتهدف إلى إثارة الضحك بمؤثرات مبالغ فيها.
هذه الدفعة من الشباب الحيوي ستساهم بشكل لافت في تعديل المشهد الدرامي التلفزيوني، وهذه الطاقات الإبداعية الواعدة تبدو مصرة على تأكيد حضورها في ظل حاجة المشهد الدرامي إلى ممثلين لإضافة روح جديدة على الشاشات.
إنه جيل جديد سيثري الساحة الدرامية التي كانت حكراً على وجوه معينة قبل أن يقتحمها هؤلاء الشباب الواعد والموهوب هذا العام وكل عام، جيل يبدو مغايراً لما ألفناه طوال سنوات ليست بالقليلة بأداء مختلف ربما يغيّر المقاييس.

مواهب زاخرة
الطالبة نور علي قالت في حديثها مع «الوطن»: أشعر أنني أنتمي إلى دفعة طلابية جيدة جداً وزاخرة بالمواهب التي تدور بينهم روح المنافسة المفعمة بالمحبة، وهو أمر مهم ومطلوب وضروري، وأعتقد أن روح الجماعة كانت واضحة بيننا خلال العرض، مكملة: تنتابنا السعادة بأننا أنجزنا مشروعنا المسرحي بنجاح رغم أننا لا نعيش في زمن المسرح بكل أسف. وأضافت: قدمتُ شخصية «لوتشتا» التي سأشتاق إليها كثيراً، حيث شعرتُ بصعوبتها في البداية، لكن بمساعدة الأستاذ عروة وصلتُ إلى مكان يسمى «اللعب على المسرح» وهو قمة المتعة، رغم أنني من الطلاب الذين يفضلون الواقعية في التمثيل بشكل أكبر.
وأشارت الى أن الأوضاع الصعبة بشكل عام وتساقط القذائف بشكل خاص أثر في الطلاب خلال البروفات، مؤكدة أن الطلاب قدموا ما عليهم وأكثر، داعية من سمتهم المدّعين ألا يتعاملوا بتقييماتهم للعرض بطريقة غير مشجعة، لأننا جيل يائس بحاجة للتشجيع والدعم ليحافظ على حضوره في المسرح.

روح الشباب
بدورها، أكدت الطالبة علياء سعيد أن العرض حمل معه أشياء مختلفة كانت غائبة خلال عروض التخرج الأخيرة، ما ساعد في إظهار الإمكانات من ناحية الليونة والإلقاء والقدرة على التحمل، وقد حقق العرض هذه الأغراض.
ولفتت إلى أن مساحات الظهور والاستعراض كانت متساوية على الجميع، مبينة أن روح الشباب وأسلوب المشرف الشاب وطرافة طرحه طغت على العرض.
وتابعت: «صخب» تجربة ممتعة رغم الصعوبات التي واجهناها من ناحية الوضع العام للبلد، بفضل الجهود الحثيثة للإدارة والمشرف لإنجازها بأفضل شكل ممكن ضمن الإمكانات المتاحة.
وختمت: واجهنا انتقاداً حول طول فترة العرض، لكن ذلك مطلوب لأي مشروع تخرج كي يحظى الطالب بفرصة كافية لإظهار قدراته.

الإيقاع السريع
أما الطالبة ساندي نحاس فشددت على أن «صخب» من التجارب الممتعة والصعبة في آن معاً، وأتاحت لنا فرصة لتقديم مهاراتنا في فنون أخرى إن كان عبر الغناء أو الرقص أو العزف أو أي موهبة أخرى يستطيع الممثل إظهارها من خلال الشخصية التي يقوم بها.
وتابعت: الشخصيات بدت فاقعة وتحمل هموماً حياتية بسيطة، والعرض كان متعباً لأن الحركة السريعة والركض والقتال كانت من الأساسيات، وشكل العرض كان يتطلب الإيقاع السريع، لكن الأهم أن العرض كان عادلاً وساوى بين جميع الطلاب على صعيدي المساحة والجهد، والأستاذ عروة قدّم لنا فرصة لتقديم مشاهد مضافة للتعريف عن الشخصية بشكل أوضح من خلال صفة بارزة تتسم بها.
وأوضحت أن شخصية «كيكا» التي قدمتها كانت أصغر الشخصيات عمراً، وتكمن صعوبتها باختلافها عن باقي الشخصيات النسائية الأخرى من ناحية الطفولة والعفوية والبراءة، وفي الوقت نفسه وجدتُ صعوبة بالتناقض مع هذه الصفات من خلال الأفعال والمقالب التي توقع فيها أهل القرية للوصول إلى هدفها بالزواج.

مساحات متساوية
وكشفت الطالبة رُسل الحسين عن أنه لا وجود لنص مسرحي ينصف الممثلين كافة، ومشكلة حجم الشخصيات تواجه الطلاب في كل عام، على حين تكمن أهمية عرضنا بتساوي مساحات كل الشخصيات.
وأضافت: رغم صغر بعض الشخصيات في النص إلا أن الأستاذ عروة سمح بإضافة بعض المشاهد بما يتناسب مع الخط العام للعرض ليستطيع الجميع تقديم أنفسهم بالشكل اللائق، وأنا شخصياً أضفت عدة مشاهد بسبب صغر مساحة شخصيتي، علماً أن كل الشخصيات بسيطة ونمطية.
وذكرت: قدمتُ شخصية «ليبرا» المرأة الأربعينية المتزوجة من «فورتوناتو» الملقب بنصف الرجل، ورغم محاولاتها بأن تصنع منه رجلاً، إلا أن لا أمل منه لدرجة أن علاقتهما الجنسية باءت بالفشل، ما دعاها إلى أن تصبح خبيرة بالأعشاب الطبية البرية والبحرية لتصنع لزوجها خلطة مقوية، لكن كل ذلك لم يجد نفعاً.

العمل الجماعي
ورأت الطالبة جولييت خوري أن العرض جيد جداً ويعبّر عن الجهد الكبير الذي بذل، مشيرة إلى وجود مساحات واسعة لكل شخصية على حدة بهدف إظهار صفة بسيطة من صفاتها، بطريقة أعطت كل طالب حقه ووظفته بطريقة صحيحة.
وقالت: كنا جميعاً ممتازين، والعمل الجماعي بدا واضحاً، وهو ما يدل على النجاح والانسجام والغيرة على بعضنا، إضافة إلى خيالنا نحن الطلاب باختيار فكرة المشهد أو أي تفصيل آخر.
وأوضحت: كنا نسرح بخيالاتنا ساعات ونتعاون لنستخرج فكرة تخدم العرض، وهنا أشكر الأستاذ عروة الذي فتح لنا المجال بأن نساعد بعضنا ونشعر بأننا نكمل بعضنا أيضاً، كما أشكر الدراماتورج الذي كان يبرر أي فكرة مهما كانت بسيطة أو سطحية لتصبح فكرة مكتملة نتبناها بأدائنا بمساعدة الأستاذ عروة الذي كان يبرر لكل شخصية أفعالها حتى تنفهم بشكل دقيق بعيداً من الفظاظة.

مسؤولية أكبر
وأخيراً، اكتفى الطالب خالد شباط بالقول: الجهد والتعب في المسرح لا يضيعان، و«صخب» حملتنا مسؤولية أكبر بالتخرج القادم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن