ثقافة وفن

يوم اللغة العربية في عامها الثاني عشر … أيام اللغات الأخرى اختيرت من أهلها في أيام تجسد رموزاً فماذا عن لغتنا؟

| د. جورج جبور

من المتعارف عليه أن اليوم العالمي للغة العربية هو 18 كانون الأول من كل عام. هكذا قررت اليونسكو عام 2011. أما يوم اللغة العربية كما قررته ألكسو- وهي المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة- فهو أول آذار من كل عام. كان ذاك قبل قرار اليونسكو- وهي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة- بعام واحد كما أقدر. علمت بهذين التاريخين من مصادر ثانوية ولا أحكم بدقتهما. ما أحكم بدقته هو أن عمر الإعلان الرسمي عن أحداث يوم للغة العربية لم يتجاوز الأعوام العشرة. فكيف يصح أن يكون العنوان «يوم اللغة العربية في عامها الثاني عشر؟».

يصح لسببين. السبب الأول الجوهري هو أن مصدرا موثوقا أعلمني بأن ألكسو نزلت عند رغبة اليونسكو في ألا يكون للغة العربية إلا يوم احتفالي واحد هو يوم 18 كانون الأول الذي في مثله عام 1974 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار العربية واحدة من لغاتها الرسمية. لم تبلغ سورية بما فعلته ألكسو، لأننا منذ شاء البعض، بل البغض، غدونا خارج إطار جامعة الدول العربية وعائلتها. تيقنت أن الأول من آذار لم يعد معتمدا لدى ألكسو.

أما السبب الثاني فناتج طبيعي عن السبب الأول. آذار شهر رائع نشط منشط وتربوي أيضا. فيه يأتي التلاميذ والطلاب، ربيع طلق يختال ضاحكا، فتتفتح عقولهم، ويقبلون على الحياة بعزم أشد يحسن أن تبدي فيه غادتنا العربية جاذبيتها لشبيبتنا. فإذا تحرر ذلك الشهر الجميل من قبضة يوم ألكسو فلماذا لا نخلد فيه مبادرة سورية هي في أصل أحداث يوم للغة العربية؟ لماذا لا نعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، فنعلن يوم 15 آذار من كل عام، وهو اليوم الذي فيه انطلقت فكرة أحداث يوم للعربية قبل اثني عشر عاما، لماذا لا نعلنه يوما للغة العربية في سورية أولا، ومن ثم نحاول، باسم سلطة الفكرة، باسم احترام الفكرة واحترام تاريخ إطلاقها، باسم حقوق الملكية الفكرية، إقناع الدول العربية وإقناع اليونسكو بأمر واضح أنه حق لا ينازع فيه منصف؟

في عام 2008 بذلت اليونسكو جهودا مكثفة لكي تهتم الدول الأعضاء بيوم اللغة الأم في 21 شباط من كل عام. لا تتساهل فرنسا مع انتشار الإنكليزية. الحديث عن ضرورة الحفاظ على اللغة الأم إحدى أسلحة فرنسا الناعمة في مقاومة انتشار الإنكليزية. اهتم بأمر اللغة الأم اتحاد الكتاب العرب بدمشق. دعاني إلى المساهمة في ندوة عقدت يومي 26 و27 شباط 2008. جعلت لمحاضرتي عنوانا متحديا: «العربية وحرب اللغات». تابعت المطالبة بحقوق اللغة العربية. ومن حسن الحظ أن موعد محاضرتي كان سابقا بأسابيع قليلة لقمتين إسلامية فعربية. طالبت القمة الإسلامية التي تعقد في السنغال منتصف آذار 2008، طالبتها مكررا ما قلته في مؤتمر القاهرة آنف الذكر عام 1996، وكانت القاهرة عاصمة للثقافة العربية: «على كل دولة في منظمة المؤتمر الإسلامي جعل العربية لغة ثانية في دستورها». كما طالبت القمة العربية المقبلة في دمشق لكي تعتمد يوما للغة العربية مستحسنا أن يكون موعده يوم بدء التنزيل الشريف. اهتمت قمة دمشق باللغة العربية ، لكن من جانب آخر لم يتطرق إلى يوم لها. أقر المؤتمر مشروعا أعدته لجنة التمكين للغة العربية وسمته «مشروع النهوض باللغة العربية». وفي ندوة أقامتها هيئة الكتاب أوائل آذار قرأت عن المشروع كلاما هو أشبه بشهادة وفاة.

ذهبت الفكرة إلى ألكسو والشكر للجنة التمكين. ثم من ألكسو، كما أقدر، ذهبت الفكرة إلى اليونسكو فجرى توسيعها لتشمل بقية اللغات الرسمية. رأت اليونسكو أن تخصص يوماً عالمياً لكل لغة رسمية في الأمم المتحدة، فكان للعربية يوم توافق عليه مندوب السعودية ومندوب المغرب بصفته رئيساً للمجموعة العربية يومذاك. غدا يوم اعتبار العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة في 18 كانون الأول 1974، غدا ذلك التاريخ يوم العربية العالمي. أما الأيام العالمية للغات الأخرى فقد جرى اختيارها لتجسد رموزاً ثقافية أو تاريخية تعتز بها أمم تلك اللغات.

وهكذا أصبح لدينا يومان للغتنا. واحد ألكسي في أول آذار، وثان يونسكي في 18 كانون الأول. وربما أنه كان بعد ذلك ما كان من إغفال أضعف اليومين.

اللغات وأيامها في السياسات الإقليمية والدولية

لا أدري إن كان في هيئاتنا اللغوية والتربوية والسياسية من يتابع سياسات اللغات وأيامها وتنافساتها، بل حروبها المعلنة وغير المعلنة. مكان المتابعة الأفضل هو الخارجية والجامعات ومراكز الأبحاث. وأعترف بأنني لم أشتغل منهجياً في هذا الشأن رغم اهتمامي به. أعتمد عادة على الحدس أو التكهن. ولأذكر مثالين:

1- لا أكتمكم إنني حين أتابع العدوان التركي على السيادة السورية في عفرين والشمال السوري فإن ذهني يتجه في بعض الأحيان إلى إلقاء اللوم على تقصيرنا في التعرف على منظمة لا أعلم مقدار نشاطها، إلا أن اسمها دال على طبيعة عملها. إنها منظمة الدول المعنية بالتركية التي تمتد جغرافياً من تركيا إلى الصين.

2- ولا أكتمكم إنني حين أتابع تجليات السياسات الأميركية في المنطقة وآخرها قرار إلغاء صفة الاحتلال عن زهرة المدائن، وحين أتابع أصول السياسات الإنكليزية في المنطقة ومنها دعوة عام 1840 لإقامة إسرائيل حاجزاً بين مصر وبلاد الشام، فإن عاطفتي تتجه إلى تأييد ما قيل عن حظر الإمام خامنئي تدريس الإنكليزية في المرحلة الابتدائية. وبالطبع لا أذهب مع عاطفتي في هذا الشأن.
وأعترف لكم وبكل المسؤولية العلمية، لأن المعطيات بين يدي لا تسمح لي بأن أدعم حدسي بوقائع، أعترف لكم بأنني أرى ما يبدو وكأنه مخطط لإضعاف العربية وأثرها التوحيدي على من هي لغتهم الأم وعلى مجمل الناطقين بها.

انظروا مثلاً إلى ما قيل من أن اليونسكو همست به إلى ألكسو فأصبح سياسة عربية: «لا يصح أن يكون للعربية يومان!». لماذا لا يصح؟ لا أدري.

يعود بي ما يقال بأنه همسة اليونسكو إلى اليوم الذي اقترحته في جامعة حلب ليكون يوم اللغة العربية. إنه يوم بدء التنزيل الشريف. يوم كانت، أو نزلت من السماء: «اقرأ!». إنه يوم يجمع العرب والمسلمين. أليست العربية لغة الإسلام؟ ألا يمكن القول إن من المفيد لإسلام المسلم، وللمسلم، أن يزداد ارتباطه بالعربية؟

غابت هذه المعاني، كما يبدو، عن مناقشة ألكسو ليوم اللغة العربية. تركز النقاش– كما قيل– على صعوبة تحديد يوم بدء التنزيل. وقيل أيضا: بل ليس من اختصاصك يا ألكسو تحديد ذلك اليوم ، بل هو من اختصاص ايسيسكواي المنظمة الإسلامية للتربية والعلم والثقافة.

واتفق قادة ألكسو أن يكون يوم اللغة العربية تربويا فولد الأول من آذار يوماً للغتنا.

ثم أتت همسة اليونسكو في إذن ألكسو: يكفي العربية يومها العالمي والاحتفال الأساس به هو هنا في باريس. لا احتفال عالمياً بالعربية في بلاد العرب.
وقبل هذا خصص المفكر التونسي الدكتور عبد السلام المسدي صفحات من أحد كتبه ليشرح كيف جرى تعديل اسم مشروع النهوض باللغة العربية ليصبح مشروعاً للدخول إلى عالم المعرفة. اعتبر المسدي ذلك التعديل إضعافاً لما في المشروع من ذاتية عربية.

وبعد هذا أتساءل: لماذا كان يوم اللغة العربية « ديوانياً» يؤرخ ليوم عادت فيه الأمم المتحدة عن خطأ سابق أو سهو سابق، فاعتبرت العربية لغة رسمية، ولم تعامله معاملة الأيام العالمية الأخرى ليجسد رموزاً ثقافية وتاريخية يعتز بها العرب؟ هل استشيرت الدول العربية كلها عبر وفودها في باريس، وهل عادت الوفود إلى دولها، وعادت الدول إلى مجامعها اللغوية، فكان تحديد اليوم حصيلة رضى هذه الأطراف جميعاً، أم إن الأمر اقتصر على نصيحة يونسكية إلى مندوبين عربيين أحدهما تمول دولته ، مشكورة بالطبع، نفقات استعمال العربية في اليونسكو، وثانيهما كان يومذاك رئيس المجموعة العربية في اليونسكو؟
قلت إنني أتحدث بكل لا مسؤولية علمية. أتابع حدساً أو تكهناً. وحبذا لو يقطع القول في هذا المجال، بل يقطع سوء الظن في هذا المجال، رسميون أقدر مني على الخوض.

وفي الختام أنتهي مؤكداً نقاطاً ثلاثاً:

1- لا ضير في أن يكون للعربية أكثر من يوم.
2- ثمة ضير يلحق باحترامنا لثقافتنا في حال استمر يوم اللغة العربية في موعده الراهن. وكانت مني عن هذا الموضوع رسالة إلى مدير عام اليونسكو ربما أنه نتج عنها دعوتي إلى إلقاء بحث في مقر اليونسكو عن اللغة العربية بمناسبة يومها العالمي عام 2016.
3- من المفيد علمياً وحقوقياً قبل كل شيء، ومن المفيد سياسياً لسورية ولاسيما في أيامنا هذه، أن تعلن سورية يوم 15 آذار من كل عام يوماً للغة العربية، وأن تحاول إقناع الدول العربية وألكسو به، وكذلك إقناع دول العالم واليونسكو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن