قضايا وآراء

التوجّه نحو الشّرق.. خيار اقتصادي وسياسي استراتيجي

| قحطان السيوفي

لقد اكتشفنا واكتوينا، نحن العرب بشكل عام والسوريين بخاصة، بمؤامرات حكام الغرب،‏ فسورية تتعرض لمؤامرة كونية تسهم بها قوى غربية داعمة للإرهاب تغلف الاقتصادي بالسياسي والسياسي بالاقتصادي، لذا بات التوجه شرقاً خياراً استراتيجياً، وإقامة أفضل العلاقات الاقتصادية مع الدول التي وقفت وتقف معنا في ظلّ هذه المؤامرة؟ لجعل العلاقة الاقتصادية مع هذه الدول تتناسب مع العلاقات السياسية.
‏ليس سراً أن انفتاحنا، قبل الأزمة، نحو العرب والأتراك عطل الكثير من الاستثمارات والصناعات لمحلية، فأنواع الاستثمار في سورية كانت تتوزع في صناعات ليست من عوامل التنمية الاقتصادية المستقبلية وتفتقد للاستثمار في المجالات التكنولوجية والصناعية والتقنيات الالكترونية التي يمكن أن نحصل عليها بالتعاون مع دول صديقة شرقية.
العقوبات ليست جديدة على السوريين بل هي مستمرة، تعود العقوبات الأميركية على سورية إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، كما فرض الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات في عام 2011، وكذا الجامعة العربية، وخلفت هذه العقوبات آثاراً في الاقتصاد السوري الذي كان يتمتع بنوع من الاكتفاء الذاتي، إلا أن هذه العقوبات لن تضعف الصناعة السوية في ظل البدائل المتاحة والمتوافرة عبر علاقاتنا بالأصدقاء شرقا، وتجربة سورية في الحصار أثبتت أن سورية قادرة على أن تنمي اقتصادها بكوادرها المحلية وصناعتها الداخلية والاعتماد على الذات.
بالمقابل انفتاح سورية على أسواق الصين وروسيا وإيران والهند، يُخفف كثيرا من الحصار والضغط المفروض من دول الاتحاد الأوروبي وأميركا، ولاشك ‏أن توسع سورية شرقا، من الناحية الاقتصادية، يفتح أمام صناعاتنا الوطنية سوقا جديدة، ويؤمن المواد الخام والمواد النصف المصنعة التي تحتاجها صناعتنا في هذه الأزمة، ولابد من معرفة ما تحتاجه تلك الأسواق البديلة للحفاظ على مؤشرات الصادرات السورية، كما أن الأخذ بمبدأ أن تكون الصناعة المحلية بديلاً للعديد من السلع المستوردة، هو حل مناسب في الأزمات، و‏الأزمة الحالية ستعيد المنتج السوري إلى خارطة الاقتصاد السوري لتوليد منتجات محلية بكفاءة وتنافسية عالية. ‏
‏العمل يحتاج إلى إعادة هيكلة العقلية الاقتصادية القائمة وخاصة التجارة الخارجية، باتجاه الدول الصديقة شرقاً؛ فإيران تبدي موقفا ايجابيا داعماً لسورية ولاقتصادها، وروسيا وصل حجم التبادل التجاري معها عام 2008 نحو ملياري دولار وعلاقتنا بروسيا علاقة إستراتيجية.
الصين من أكبر شركائنا الاقتصاديين والعلاقات السورية الصينية تعود إلى تاريخ قديم من أيام طريق الحرير، والصين عملاق يتحكم في العالم بفضل صناعاته وابتكاراته، وأصبح قوة عظمى في موازين القوى الاقتصادية والسياسية، ويمكن للشركات الصينية الاستفادة من الموقع المتوسط للسوق السورية والمزايا التي تقدمها القوانين للمستثمرين، وطريق الحرير سيصل إلى سورية. ‏ العلاقات مع الهند تاريخية ونمت العلاقة التجارية إلى 793 مليون دولار في 2010 وتقرير صندوق النقد الدولي يشير إلى أن هذه الدول ساهمت بأكثر من 50 بالمئة من معدل النمو الاقتصادي العالمي لعام 2010، ولقد أثبتت هذه الدول قدراتها في مجال إنتاج وسائل الإنتاج ولاسيما في قطاع الصناعة التحويلية والنفطية والمعدات الزراعية، وأدركت روسيا والصين، أن السبيل الوحيد لهزيمة العالم الأحادي القطب، هو من خلال تشكيل مؤسسات عالم جديد متعدد الأقطاب، ويضمن الازدهار العالمي من خلال التكامل الإقليمي السلمي.
ستتصدى الصين وروسيا وحلفاؤهم في دول بريكس وأصدقاؤهم على الساحة الدولية لمحاولات الهيمنة السياسية والاقتصادية الأميركية، كما يعملون على إعادة رسم البنى التحتية والأمنية والمالية في العالم وإلى نشوء حقبة دولية متعدّدة الأقطاب، ومحاربة الإرهاب ودعم الدولة السورية في حربها ضد الإرهاب.
بالمقابل شكّلت الأزمة السورية «نقطة اشتباك» في زمن التحوّل الإستراتيجي في العالم العربي، وكان الموقفين الروسي الصيني المشترك في استخدام حقّ النقض ضد أي قرار يُدين سورية، جزءاً من التنسيق السياسي بين الدولتين على المسرح الدولي، وهو تحالف جيوسياسي اقتصادي يشكل القطبية الثنائية العالمية في مواجهة الهيمنة الأميركية، وتتجلى خصوصية موقف روسيا في رفضها محاولة الولايات المتحدة اليائسة لمحاصرتها وتطويقها مع حلفائها بإيران وسورية، في معركتهم لمحاربة الإرهاب.
إن الحكومة السورية التي أدت القسم في 27 حزيران 2012 وجهها الرئيس بشار الأسد للاتجاه شرقا نتيجة للأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد وكل الحكومات السورية المتعاقبة وحتى تاريخه يُفترض أنها مُلتزمة بتنفيذ هذه التوجيهات بالاتجاه شرقاً.
ولهيئة الاستثمار السورية دور في العمل على جذب المستثمرين من دول المشرق التي قد ترغب باستثمار صناديقها السيادية في سورية ولقد حان الوقت لنغير وجهة تجارتنا الخارجية ونتعامل مع تمركز جغرافي جديد لها، أي أن نؤمنها من الدول الشرقية حيث نستورد منها احتياجاتنا من الصناعة التحويلية والتي تشكل بحدود 91 بالمئة من إجمالي مستورداتنا، كما يمكن أن يضمن أسلوب المقايضة انسياباً سريعاً للسلع، وعندها نفعل عوامل إنتاجنا.
‏محاولات حصار الاقتصاد السوري ستفشل من خلال تطوير العلاقات المتميزة مع هذه الدول مدفوعا بعلاقات سياسية جيدة، وسورية قادرة على أن تجد شرقاً بدائل لأسواق الدول التي تقاطعها استيراداً وتصديرا، ولتأسيس شراكة طويلة المدى متنوعة الاستثمارات، تهدف لقيام اقتصاد قوي متعدد المصادر.
نعم لقد سئمنا من نفاق ومؤامرات حكام الغرب، وينبغي الاتجاه شرقاً، لأنه كان ولا يزال ضرورة وخيارا إستراتيجيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن