من دفتر الوطن

الحلم المستحيل!

| عصام داري 

رأيت فيما يرى النائم، خير اللهم اجعله خير، أنه قد أسند لي منصب مكافحة الفساد في إحدى جمهوريات الموز، فسارعت من ساعتي ووقتي إلى تنفيذ هذه المهمة لأنني كنت دائماً أحارب الفساد في الكلام والأحلام، أما وقد جاءت الفرصة على طبق من ذهب، فإنني لن أفوتها.
بدأت أجمع الأدلة والوثائق التي تدين معشر الفاسدين والمرتشين ولصوص النهار قبل لصوص الليل، وكانت الحصيلة وفيرة جداً فأدركت للتو السبب الذي أطلقوا على هذه الدولة تسمية جمهورية الموز!
أول وثيقة حصلت عليها من شخص يعتبر من الطبقة الوسطى من الموظفين، فلا هو فوق، ولا هو تحت، وكانت مهمتي معه غاية في السهولة، والشهود كانوا يدلون بشهادتهم أمامه وهو يبتسم ويوافق على كل كلمة يقولونها.
وعندما سألته عن سبب الابتسامة البلهاء المرسومة على وجهه طوال فترة التحقيق أجاب: يا بن الحلال، هناك حكمة معروفة ومتفق عليها تقول: السارق من السارق كالوارث من أبيه!
صعقتني إجابته، فسألته: وهل تعتبر الدولة سارقة؟ فقال بمنتهى الثقة بنفسه وبما يقول: نعم فالضرائب المرتفعة والغلاء الفاحش والأسعار غير العادلة كلها تضع الحكومة في خانة اللصوصية غير المباشرة!
وهل صحيح ما نسب إليك بأنك كنت تطلب من دافعي الرشا أن يعدوا الأموال التي طلبتها منهم كي تسهل أعمالهم أمام الضيوف والمراجعين وتقول لهم: لماذا تعطونني المبالغ سراً، هل نحن نسرق؟.
قال صحيح، فقد قلت لك الحكمة التي أسير عليها، فأنا أعتبر تلك الأموال بمنزلة إرث وحق من حقوقي لأني أقدم لهم كل ما يحتاجونه من تسهيلات، وإذا كنت أتقاضى من هذا الشخص أو ذاك عدة ملايين، فهم سيعوضونها مليارات! فعلاً حجة مقنعة!
حضر أمامي بائع مازوت في إحدى محطات الوقود بسبب الإثراء غير المشروع، وعند سؤاله أجاب: كنت أتقاضى رسماً زهيداً من كل شخص غير مدعوم مقابل حصوله على كمية من مازوت التدفئة، أو البنزين، نقطة انتهى!
الأمر نفسه تكرر مع موزع أسطوانات الغاز والأفران ومعظم نوافذ بيع ضروريات الحياة للمواطن، وكان الجميع يعتمد على أن الحياة صعبة وعندي كوم عيال، وكأن المواطن ليس من أبناء تلك الدولة وعنده مشاكل أكبر من مشاكل هؤلاء الذين يسرقون لقمة الشعب ويتاجرون حتى بدمه!
لكن المصيبة أن هناك من كان يبيع المساعدات التي ترده للمتضررين وتذهب الأرباح إلى حسابه الخاص في البنك! وأعترف أن كثيرين من الإخوة الفاسدين عرضوا علي رشوة «محرزة» كان آخرها خمسة وعشرين مليون ليرة عدّاً ونقداً!
فجأة استيقظت وأنا أصرخ: أعطوني النقود فورا، وتذكرت مسرحية نهر الجنون لتوفيق الحكيم فقلت: بل أعطوني كأسا من ماء النهر، فاكتشفت أنني كنت في إحدى جمهوريات الموز، وأنني كنت أحلم، وأنني لم أستطع أن أكون فاسداً حتى في الحلم، لكنني سأظل أحلم، لكن الأحلام لا تتحقق، خاصة في جمهوريات الموز التي يقولون فيها عن اللص والمرتشي والفاسد: حلال عليه.. شاطر، ويقولون عن الذكي ابن حرام، والشريف غبي!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن