ثقافة وفن

اليوم العالمي للمياه 2018 «الطبيعة من أجل المياه»

| د. وائل معلا

منذ عام 1993، تحتفل منظمة الأمم المتحدة في 22 آذار من كل عام «باليوم العالمي للمياه»، للتوعية بأهمية المياه والمحافظة عليها والسعي إلى إيجاد مصادر جديدة لمياه الشرب. وفي عام 2005 صادف هذا اليوم بداية «العقد الدولي للمياه» الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2003 تحت شعار «الماء من أجل الحياة» والذي استمر حتى العام 2015.
في عام 2006 اختيرت «المياه والثقافة» عنواناً لليوم العالمي للمياه بإشراف منظمة اليونسكو، للفت الانتباه إلى حقيقة أن هناك طرقاً عديدة للنظر إلى المياه واستخدامها والاحتفال بها تبعاً لتنوع تقاليد الشعوب وثقافاتها في جميع أنحاء العالم. فالمياه مقدسة في العديد من الأديان، وتستخدم في مختلف الطقوس والاحتفالات. وقد برزت المياه لقرون عديدة في الأعمال الفنية وفي الموسيقا والكتب والأعمال السينمائية، كما كانت عنصراً أساسياً في العديد من الجهود العلمية.
في عام 2007، كانت «مواجهة ندرة المياه» الموضوع الرئيسي ليوم المياه العالمي بهدف إبراز الخطورة المتزايدة لندرة المياه في جميع أنحاء العالم وآثارها. ثم أطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على عام 2008 «السنة الدولية للصرف الصحي» لتسليط الضوء على العدد الكبير من سكان العالم الذين لا يحصلون على خدمات الصرف الصحي الأساسية. أما في عام 2009، فقد ركزّ شعار اليوم العالمي للمياه على «المياه العابرة للحدود: المشاركة بالمياه، المشاركة بالفرص»، فهناك في العالم 263 بحيرة وحوض نهر عابر للحدود تمتد على مناطق في 145 بلداً وتغطي نصف مساحة اليابسة على الأرض، الأمر الذي ينبغي أن يحفز على التعاون في الإدارة المشتركة لهذه المياه الدولية بدلاً من أن تكون سببا للتنازع عليها.

لعالم سليم صحي

وفي عام 2010، كان شعار يوم المياه العالمي «مياه نظيفة لعالم سليم صحياً» للتأكيد أن المياه النظيفة هي الحياة، وأن بقاءنا جميعاً يعتمد على الطريقة التي نحمي فيها جودة مياهنا. فقد أصبحت نوعية المصادر المائية أكثر عرضةً للتلوث من النشاطات البشرية، وهناك 2.5 مليار شخص في العالم محرومون اليوم من خدمات الصرف الصحي الأساسية. وفي كل يوم يطرح عبر العالم مليونا طن من مياه الصرف الصحي والمخلفات السائلة الأخرى ضمن المياه.
وفي عام 2011، أصبح شعار يوم المياه العالمي «المياه للمدن… الاستجابة للتحدي الحضري»، بقصد تركيز الاهتمام الدولي على الآثار المترتبة على أنظمة المياه في المدن والناتجة عن النمو السكاني السريع، والتحول السريع نحو التصنيع، والتغيرات المناخية، والنزاعات والكوارث الطبيعية.
في عالم اليوم، يعيش نصف السكان في المدن وتنمو مدن العالم بمعدل استثنائي بسبب الزيادة الطبيعية في عدد السكان من جهة، والهجرة من الريف إلى المناطق الحضرية وتحويل المناطق الريفية إلى مناطق حضرية من جهة أخرى. وفي العديد من مدن العالم، لم يواكب الاستثمار في البنى التحتية معدل التمدين، وتضاءلت الاستثمارات كثيراً في خدمات المياه والصرف الصحي بشكل خاص. فحجم التغطية بالشبكات الأنبوبية آخذ في التضاؤل في العديد من الأماكن، والفقراء يحصلون على خدمات أسوأ، ويدفعون بالمقابل أسعاراً أعلى للمياه.
في العام 2012 أطلق شعار « المياه من أجل الأمن الغذائي» شعاراً ليوم المياه العالمي، انطلاقا من أن العلاقة بين المياه والأمن الغذائي مفتاح أساسي للتنمية. فالأمن الغذائي يتحقق عندما يتمكن البشر كافة وفي جميع الأوقات من الحصول على أغذية كافية وسليمة تلبي احتياجاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية وبأسعار مناسبة. ويجب أن تدعم مشاريع إدارة المياه خلال الفترة المقبلة ولغاية عام 2050 النظم الزراعية التي ستتولى مهمة توفير الغذاء وسبل المعيشة لـ2.7 مليار نسمة إضافية.

ثقافة التعاون في مجال الحياة
وفي العام 2013 كان شعار اليوم العالمي للمياه: «التعاون في مجال المياه»، وذلك تماشيا مع اختيار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013 «السنة الدولية للتعاون في مجال المياه» بناءً على اقتراح طاجكستان ودول أخرى. ذلك أن تلبية احتياجات الناس الأساسية، ومتطلبات البيئة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر، كلها تعتمد اعتماداً كبيراً على المياه. والإدارة الجيدة للمياه تفرض تحديات خاصة نظراً لخصائصها الفريدة: فالمياه تتوزع بشكل غير متساوٍ في المكان والزمان، والدورة الهيدرولوجية معقدة جداً، والاضطرابات التي تحدث فيها لها آثار متعددة الجوانب.
والنمو السريع للمناطق الحضرية، والتلوث، والتغيرات المناخية كلها تهدد مصادر المياه. على حين أن الطلب على المياه يزداد باستمرار لتلبية احتياجات سكان العالم لإنتاج الغذاء والطاقة ولاستخدامات المياه الصناعية والمنزلية. لذا فالتعاون في مجال المياه أساسي لتحقيق التوازن بين مختلف الاحتياجات والأولويات، والمشاركة المنصفة والعادلة في هذا المصدر الثمين، واستخدام المياه كأداة للسلام.
وفي العام 2014 اختير شعار «المياه والطاقة» شعارا لليوم العالمي للمياه نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربط المياه بالطاقة، واعتماد كل منهما على الآخر؛ فتوليد الطاقة ونقلها يتطلبان استخدام الموارد المائية، ولاسيما في حال الطاقة الكهرمائية، والطاقة النووية والحرارية. ومن جهة أخرى، يستخدم حوالى 8% من الطاقة المولدة في العالم من أجل ضخ ومعالجة ونقل المياه إلى مستهلكيها.

التنمية المستدامة والبيئة
وفي العام 2015، كان الشعار هو «المياه والتنمية المستدامة»، لتأكيد أهمية المياه لجميع الأوجه المتعلقة بالتنمية المستدامة. فالمياه ضرورية لصحة الإنسان، وللنظم البيئية، ولتوسع المناطق الحضرية، وللصناعة، والطاقة، والغذاء وغيرها.
وفي العام 2016 اختير شعار «المياه وفرص العمل». فاليوم، يعمل ما يقرب من نصف العمال في العالم (أي 1.5 مليار نسمة) في القطاعات المرتبطة بالمياه، والملايين منهم لا تحميهم قوانين العمل الأساسية. ويهدف اختيار هذا الشعار لليوم العالمي للمياه إلى إظهار كيف يمكن للمياه عندما تتوافر بنوعية وكمية كافيتين، أن تغير حياة العمال وسبل عيش الملايين من الناس، لا بل أن تحوِّل المجتمعات والاقتصادات تحويلاً كاملاً.
وفي العام الماضي 2017 اختير لليوم العالمي للمياه شعار «المياه العادمة»، إذ ينتج عن العديد من الأنشطة البشرية طرح مياه عادمة. وما يزيد على 80 في المئة من مياه العالم العادمة يطرح في البيئة من دون معالجة. ولا تقتصر فوائد الحدّ من كميات المياه العادمة غير المعالجة التي تُطرح في البيئة الطبيعية على إنقاذ الأرواح وتعزيز النُظم البيئية السليمة، بل يمكن أن يساعد هذا أيضاً في تعزيز النمو المستدام.
أمّا شعار اليوم العالمي للمياه لهذا العام 2018 فهو «الطبيعة من أجل المياه»، ذلك أن الأضرار البيئية هي، إلى جانب التغير المناخي، أحد الأسباب الرئيسية للأزمات المتعلقة بالمياه والتي نشهدها في جميع أنحاء العالم؛ فتدهور الغطاء النباتي وتدهور التربة ونوعية مياه الأنهار والبحيرات يزيد من خطر الفيضانات ويفاقم الجفاف وتلوث المياه. وعندما نهمل أنظمتنا البيئية، يصبح من الصعوبة بمكان تزويد الجميع بالمياه النظيفة اللازمة للبقاء والازدهار.
ويستكشف موضوع هذا العام، «الطبيعة من أجل المياه»، الحلول المستندة إلى الطبيعة لمواجهة التحديات المائية في القرن الحادي والعشرين. وتسعى الحملة التي تحمل شعار «الجواب يكمن في الطبيعة» إلى زيادة الوعي بأهمية ونجاعة هذا النوع من الحلول، مثل زراعة الأشجار لتجديد الغابات، وإعادة ربط الأنهار بسهول الفيضانات، واستعادة الأراضي الرطبة، وهي طريقة مستدامة وفعالة وقليلة التكلفة للمساعدة في إعادة التوازن لدورة المياه ، والتخفيف من آثار تغير المناخ، وتحسين صحة البشر وسبل العيش.
إن اللجوء إلى الحلول المستندة إلى الطبيعة للمساعدة في تلبية تزايد الحاجة للمياه بتزايد النمو السكاني من شأنه إيجاد اقتصاد دائري، وفي الوقت نفسه حماية البيئة الطبيعية والحد من التلوث، وكلاهما هدف رئيسي في صلب الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة التي تلزم العالم بضمان توافر المياه والمرافق الصحية للجميع، وبالإدارة المستدامة للموارد المائية على جميع المستويات بحلول عام 2030.

الإستراتيجية السورية
وكما جرت عليه العادة، يرافق الاحتفالات باليوم العالمي للمياه إطلاق التقرير العالمي للتنمية المائية لعام 2018 وهو بعنوان «الحلول المائية المعتمدة على الطبيعة» ، وقد اختير عنوانه ليتواءم مع شعار اليوم العالمي للمياه لهذا العام. ويحتوي التقرير على أحدث النتائج والحقائق والأرقام المتعلقة بتنمية المياه في العالم.
وفي سورية، حددت الاستراتيجية وخطة العمل الوطنية للبيئة التي تم تطويرها بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ حوالى عقدين من الزمن، المشاكل ذات الأولوية البيئية في القطر والتي تتطلب إجراءات تصحيحية عاجلة، وهي: استنزاف الموارد المائية، وتلوثها، وتدهور الأراضي وتعرية التربة ، وتدهور نوعية الهواء، والتخلص غير السليم من النفايات الصلبة والسائلة، وتلوث البيئة الحضرية.
لكنّ الحرب التي شنّت على سورية والتخريب الكبير الذي لحِق ببنيتها التحتية كان له انعكاسات سلبية كبيرة على البيئة التي لحقت بها أضرار جسيمة.
فقد تعرضت المحميّات الرعوية والبيئية للتعديات والسرقة والرعي الجائر والاحتطاب والحرائق. وزاد القطع الجائر للأشجار بنسب كبيرة جداً خلال الأزمة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة بشكل خاص. وأدى ذلك إلى تراجع كبير في حجم الغابات السورية التي كانت تغطي 232.8 ألف هكتار قبل اندلاع الحرب.
وارتفعت معدلات التلوث في الأوساط المائية بسبب توقف العديد من محطات معالجة الصرف الصحي عن العمل وزيادة طرح المخلفات السائلة في المسطحات المائية. وأدى تعرض المناطق والمنشآت الصناعية والمعامل والبنى التحتية الخاصة والعامة للتدمير إلى تلوث الأوساط البيئية بالمواد النفظية الكيميائية والدوائية وغيرها.
وقد عانت التربة السورية خلال الأزمة من تدهور أثقل كاهلها، وأدى لخروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية من الخدمة، خاصةً في المناطق الشرقية، وذلك بسبب التلوث النفظي بسبب الاعتداء على محطات الإنتاج وخطوط نقل النفط، وتخريب رؤوس الآبار.
وتزايد انتشار ملوثات الهواء في الجو نتيجة العمليات التخريبية، وتدمير المنشآت والمنازل الذي رافقه انتشار الغبار الكثيف، إضافة إلى الملوثات الناتجة عن حرق المعامل والمنشآت الصناعية، والتعدي على خطوط وآبار النفط في المنطقة الشرقية واستخراج كميات كبيرة منه بصورة عشوائية، الأمر الذي انعكس نتائج كارثية على الصعد الصحية والاقتصادية والبيئية كافة. وقد حولت حراقات النفط التي استخدمها المسلحون لإنتاج بعض المشتقات النفطية سماء المناطق الشرقية إلى سماء سوداء.

الثقافة البيئية وإعادة الإعمار
بناء على ما سبق، لا بد في مرحلة أعادة الإعمار من القيام بتقييم دقيق للأضرار التي لحقت بالبيئة في سورية وإعادة تحديد المشكلات ذات الأولوية البيئية، والتي تتطلب إجراءات تصحيحية عاجلة، ومن ثم وضع خطط العمل العلاجية اللازمة لذلك. ومن المفيد عند وضع الخطط وبرامج العمل اعتماد الحلول القائمة على الطبيعة ما أمكن لمواجهة هذه التحديات الجسيمة.
لقد قطعت سورية في الفترة التي سبقت الأزمة أشواطاً بعيدة على طريق تحقيق أهدافها التنموية؛ ففي عام 2010، أي قبل عام واحد من بداية الأزمة، أشار التقرير الوطني الثالث للأهداف التنموية للألفية الصادر عن هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن سورية قد خطت خطوات كبيرة على صعيد تحقيق الأهداف المنشودة للألفية التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2000، فقد بلغت نسبة المستفيدين من مياه الشرب الآمنة على المستوى الوطني 92% في عام 2007، وقد تجاوز هذا الانجاز الهدف المنشود للألفية الذي وجب تحقيقه بحلول العام 2015. كما أشار التقرير إلى ارتفاع نسبة المزوَّدين بشبكة صرف صحي في المدن حتى وصلت عام 2009 إلى 95% على حين تنخفض عن ذلك في الريف وفي المناطق النائية ، وهذا ما لم يحقّقه الكثير من الدول النامية، لا بل عجز معظمها عن تحقيقه. لكنّ الحرب التي شنّت على سورية والتخريب الكبير الذي طال بنيتها التحتية جعل من الطبيعي أن نصبح اليوم بعيدين عن تحقيق الأهداف المنشودة للألفية. لكن مما لاشك فيه، ومع بزوغ بوادر تبشر بنهاية قريبة لهذه الحرب الجائرة، فإن سورية وبسواعد أبنائها المخلصين ستكون في طليعة الدول التي تحقق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي اعتمدها قادة العالم في أيلول عام 2015.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن