قضايا وآراء

على طاولة ابن سلمان في واشنطن

| أنس وهيب الكردي

تبدو زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى العاصمة الأميركية واشنطن وكأنها خطوته الأخيرة قبل ارتقاء عرش المملكة السعودية، لكنها تأتي وسط انتكاستين قويتين تعرضت لهما السياسيتان السعودية والأميركية في المنطقة.
انتهت مفاوضات معقدة ما بين الروس والأتراك إلى التوافق على مصير الغوطة الشرقية وعفرين. لم تكتف روسيا وتركيا باستبعاد الولايات المتحدة والسعودية عن طاولة مفاوضاتهما، بل أرادتا توجيه ضربة قاسية لهاتين الدولتين، التي سعت أولاهما إلى إرباك حسابات الروس والأتراك في شمال سورية، وثانيتهما إلى تقليص النفوذ التركي في عموم الشرق الأوسط.
مع مطلع العام 2018 الجاري، أصبحت روسيا أشد حزماً حيال الوجود الأميركي في شرق سورية، معلنةً في الوقت نفسه عزمها شن حملة على جبهة النصرة وتصفيتها، ولأن السعودية أخذت جانب واشنطن في الصراع على شرق سورية، ومن الدلائل على ذلك الزيارة المشتركة لوزير الدولة السعودية لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان ومبعوث الرئيس الأميركي إلى التحالف الدولي بريت ماكغورغ إلى مدينة الرقة خريف العام 2017 الماضي، فقد أثارت استياء موسكو وغضبها.
فشل أنقرة في حمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تعديل سياسة سلفه باراك أوباما في سورية القائمة على التحالف مع «وحدات حماية الشعب» الكردية، أدى إلى توتر العلاقات التاريخية ما بين الولايات المتحدة وتركيا، في المقابل، تراكمت خلال العام الماضي، عوامل أسفرت عن تدهور العلاقات ما بين الأتراك والسعوديين، فأغضب الأتراك الرياض عندما اتخذوا صف الدوحة في الأزمة القطرية، محبطين خططاً سعوديةً لتغيير الأوضاع في قطر، من جهة أخرى، استشبهت أنقرة بوقوف القادة السعوديين، وأيضاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وراء قرار إقليم كردستان العراق تنظيم استفتاء تقرير المصير الصيف الماضي، وهو ما عارضه المسؤولون الأتراك بشدة، ثم جاء الدعم السعودي لخطط واشنطن الخاصة بمرحلة «ما بعد داعش» في شرق سورية، ليصب مزيداً من الزيت على نار الخلافات بين الرياض وأنقرة التي أثار حفيظتها تنامي الصلات بين ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية والسعوديين، وحلفائهم الإماراتيين والمصريين.
واجهت واشنطن والرياض نكستين قويتين مع خروج مقاتلي «وحدات حماية الشعب» والعدد الأكبر من مسلحي المجموعات المسلحة، من مدينة عفرين وغوطة دمشق الشرقية، ولقد جاءت هاتان النكستان بينما يستعد أركان إدارة ترامب لاستقبال ولي العهد السعودي في البيت الأبيض.
مثلت عفرين، وإن كان مقاتلو «حماية الشعب» الموجودون فيها محسوبين على الروس أو الإيرانيين، مخفراً متقدماً لميليشيا «الوحدات» يحمي ما وراءه من مواقع ينتشر فيها مقاتلو «حماية الشعب» جنباً إلى جنب مع جنود أميركيين، بريطانيين وفرنسيين كمنبج، الطبقة، ومناطق شرق سورية، وزعزعت عملية عفرين الثقة ما بين «حماية الشعب» والولايات المتحدة، وجعلت الالتزام الأميركي بمناطق شرق سورية موضع تساؤل بين قادة الوحدات.
أما عملية الجيش السوري وحلفائه في الغوطة الشرقية، فقد وجهت ضربة كبيرة لنفوذ السعودية في سورية، وأظهرت واشنطن بمظهر العاجز عن تنفيذ ما تعلنه أو تهدد به، وأفقدتها ورقة مهمة مؤثرة على طاولة تسوية الأزمة السورية، وفي النهاية أضعفت قدرتها على الدفاع عن منطقة خفض التصعيد في حنوب البلاد.
سيلقي ما جرى في عفرين والغوطة بظلاله على محادثات ولي العهد السعودي في واشنطن، حيث سربت الإدارة عزم ترامب سحب القوات الأميركية من شرق سورية وهو القرار الذي تنتظره بفارغ الصبر، أنقرة، موسكو وطهران، والذي من شأنه زيادة تحكم خصوم واشنطن والرياض بمصير الهلال الخصيب وتوازناته.
رغبة ترامب هذه ستخيف السعوديين على الرغم من أنه استبق وصول ضيفه السعودي، بإقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي أحبط العديد من تحركات الرياض العام الماضي سواء في قطر أم في لبنان، فضلاً عن دوره في منع الرئيس الأميركي من الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن