قضايا وآراء

واشنطن وامتهان النفاق والدجل السياسي والإعلامي!

مأمون الحسيني : 

كثير من الآراء والتحليلات التي تتصدى لتفكيك خيوط المشهد السياسي والعسكري الخطر الذي يرسمه رجب طيب أردوغان على المستويين الداخلي والخارجي بعد إعلانه ما سماه «الحرب على الإرهاب»، يذهب إلى مقاربة ملتبسة ومربكة حيال الموقف الأميركي الذي يجري التركيز (المتخيل) على تعارضه مع توجهات أردوغان المتعلقة باستئصال الكرد، عسكرياً وسياسياً، وعدم تناغمه مع قضية «المنطقة الآمنة» في شمال سورية التي تشكل أحد الخطوط الحمراء الرئيسية، ليس فقط سورياً، وإنما روسيا وإيرانيا ودوليا أيضا، وحرصه على الاستفادة من القدرات العسكرية التركية في محاربة «داعش»، ما يدفع للوقوع في فخ سردية الدجل السياسي والإعلامي الأميركي، والخروج، تالياً، باستنتاجات سطحية وساذجة لا علاقة لها بما يدب على أرض الواقع.
ورغم الضباب الذي يغلف المشهد السياسي، وتراكم تعقيدات الصورة المتشابكة الخاضعة لعمليات تعمية وتمويه وخلط أوراق من شأنها حجب أفق الرؤية الواضحة، إلا أن ثمة حقائق شاخصة ومرئية تدفع للاعتقاد، لا بل للجزم بأن براغماتية السياسة والحراك الأميركيين اللذين ارتفع منسوبهما في الآونة الأخيرة، قد تدنَت إلى مستوى من الانحطاط والفجور الذي لا يليق سوى بالقتلة والأفَاقين واللصوص وقطاع الطرق. ولعله من ضروب الخفَة والسذاجة أخذ مزاعم اعتماد واشنطن محاربة «داعش» كأولوية لها ولأتباعها من دول المنطقة، على محمل الجد، في الوقت الذي تفخخ فيه شعار «مكافحة الإرهاب» من خلال تأكيدها، وبالاتفاق مع تركيا، على تأمين تغطية جوية لإرهابييها الذين تطلق عليهم اسم «معارضة معتدلة»، حتى ولو كان ذلك في مواجهة الجيش السوري، وذلك رغم عرقلة هذا «التوجه العدواني السافر»، وكما أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، عمليات محاربة الإرهابيين، ناهيك عن أن المنهج الأميركي في محاربة «داعش»، ما زال يعتمد مسرحية «الضربات الجوية» التي ثبت، بالملموس، ليس فقط فشلها وعدم قدراتها، على تحقيق الأهداف المتوخاة بغياب القوات البرية، وإنما كذلك توفيرها الدعم والمساندة للإرهابيين عبر مظلات الأسلحة والذخائر والتموين تحت غطاء «الأخطاء التكتيكية»!
في ذات السياق، وبعيداً عن محاولات الارتجال وليّ عنق النص البالغ الوضوح، وبصرف النظر عن التسريبات، غير المؤكدة، المتعلقة باللقاءات السرية، وبموافقة واشنطن الضمنية على المبادرة الإيرانية المعدلة للحل السياسي في سورية، أعاد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في لقاء الدوحة، الأمور إلى مربع النفاق الأول عندما كرر اجترار مقولة «الحل السياسي» كمقدمة ومدخل لمكافحة الإرهاب، رغم أن العالم بأسره بات يدرك أهمية إعطاء الأولوية المطلقة للقضاء على الإرهاب الذي يدق كل يوم أبوابا جديدة، على حين يواصل البعض ضخ دماء إضافية في شرايين ما يعتبره خلافاً أميركياً- تركياً حيال «داعش» وبعض منظمات الإرهاب الأخرى، والأكراد، و«المنطقة الآمنة»، وسوى ذلك من العناوين التفصيلية الأخرى. ولعل المثال الأحدث الذي يقدم، في هذا المضمار، هو اعتقال «جبهة النصرة»، التي باركت التدخل التركي في سورية، لما يسمى قيادات «الفرقة 30» التابعة للأميركيين، وإشارة مصادر ميدانيّة مسلحة إلى أن «أصابعَ تركيّة خفيّة» تقف وراء هذا التحرّك الذي سيتحوَل إلى فتيلٍ إضافي لإذكاء العداء بين «النصرة» والأكراد، خاصة في ظل مسارعة أوساط «النصرة» إلى تأكيد «التجاء من تبقّى من عناصر «الفرقة 30» وما يسمى «جيش الثوار» إلى عفرين للاستعانة بـ«الملاحدة الأكراد»!
غير أن هذا المثال الذي يندرج في سياق سيناريو فبركة الخلافات وتعارض الرؤى وتشتيت الأفكار، لا يستقيم مع حقيقة انضباط نظام أردوغان لدوره في الفيلم الأميركي الطويل، وإدارة واشنطن التي تعتمد مقولة «لكل مقام مقال وموقف»، لجميع المعارك السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي تشهدها منطقتنا منذ سنوات وحتى إشعار آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن