قضايا وآراء

واشنطن تسقط في شبكة أفخاخها التقسيمية

تحسين الحلبي : 

يبدو من الواضح بموجب سجل وأشكال التدخل الأميركي في دول كثيرة في الشرق الأوسط أن الإدارة الأميركية تميل إلى تبني سياسة عدوانية تقوم على (النفس الطويل) وليس على (الإجهاز السريع المباشر) لأي طرف يناهض هيمنتها… وربما تعود أهم أسباب سياسة النفس الطويل لعدم القدرة العسكرية الأميركية المباشرة على تحقيق أي (إجهاز سريع)، فهذا ما عجزت عنه واشنطن في أفغانستان ثم في العراق رغم احتلالها لأراضي الدولتين مع أكبر عدد من القوات متعددة الجنسيات… ولذلك استخدمت ضد سورية بعض أشكال التدخل المباشر مثل (طائرات بلا طيار تقصف داعش) دون تنسيق مباشر مع القيادة السورية وكل أشكال التدخل السياسي والعسكري غير المباشر مثل (استخدام المجموعات الإرهابية بمختلف اتجاهاتها التكفيرية، وغير التكفيرية) ومثل استخدام حدود تركيا والأردن ولبنان وإسرائيل عبر الجولان المحتل لتعزيز نشاطات هذه المجموعات الإرهابية ورغم ذلك فشلت حتى الآن بعد مرور أربع سنوات ونصف تقريباً من هذا العدوان في تحقيق أهدافها لكنها لم تتوقف عن الاستمرار في سياسة (النفس الطويل) ضد سورية وكان آخر تعبير عن هذه السياسة هو إعلان واشنطن قبل أيام عن أنها ستقصف (أي قوات تستهدف مجموعات المعارضة المسلحة السورية التي تعمل في الأراضي السورية ضد الحكومة السورية أو ضد داعش).
فهذا التصريح يحمل تهديداً أميركياً مباشراً للمؤسسات الحكومية والعسكرية السورية التي تجابه جميع المجموعات الإرهابية المسلحة بكل أسمائها منذ عام 2011 والسؤال هو هل سيكون بمقدور واشنطن أن تؤكد أو تتحمل مسؤولية مثل هذا التهديد وهي تدرك أنها لم تستطع تحقيق أي قدرة على تعزيز قوة المجموعات الإرهابية التي أعلنت عن تبنيها منذ بداية الهجوم على سورية في عام 2011؟!
ولذلك يرى معظم المحللين والمراقبين في أوروبا والولايات المتحدة أن واشنطن قد تقصد من هذه التصريحات جرد استعراض قوة أو استعراض دور متنفذ تسعى إلى تأكيده على مجموعات المعارضة التي تطلق عليها اسم (المعتدلة) والتي تعهدت بتدريبها وكأنها تريد أن تقول لروسيا وأوروبا إنها ما تزال تملك أوراقاً قابلة للمراهنة عليها بعد أن تمزقت جميع «المعارضات» السورية التي اعتمدت عليها في العمل المسلح الإرهابي ضد الجيش السوري.
وهذا ما أشار إليه (جوستين ريموندو) رئيس تحرير الموقع الإلكتروني (أنتي وور) في افتتاحيته حين قال: إن إدارة أوباما ورطت نفسها وحلفاءها المحليين من بعض دول الشرق الأوسط في حروب تدخل لم تحمل سوى الفشل الأميركي إلا إذا كان المقصود من كل هذه السياسة الأميركية هو التحالف مع القاعدة وداعش وما يشبهها من مجموعات مسلحة تراهن عليها واشنطن من أجل تحقيق مصالحها؟!
ومع ذلك تبقى ظاهرة الحروب الداخلية في هذه الألفية الثالثة مثيرة للتساؤل لأن الحروب الماضية في القرنين الماضيين كانت النزاعات على الحدود وعلى التوسع في الحدود من بين أهم أشكالها لحماية مصلحة هذه الدولة أو تلك وحين توقفت النزاعات على الحدود والأراضي بين الدول الأوروبية بعد حربين عالميتين قامت الإمبرالية الأميركية بخلق نزاعات على الحدود الإقليمية في القرن الماضي لخدمة مصالحها ثم ها هي تنتقل الآن إلى خلق النزاعات داخل كل دولة وضمن حدودها بهدف السيطرة عليها وهي في حالة مقسمة إلى عدد من الدويلات ولمنع تطوير قدراتها الذاتية وطموحاتها في استعادة وحدتها مع الدول الأخرى الشقيقة المجاورة.. ولذلك يرى (نيكولاس روستو) البروفيسور الأميركي في (معهد الدراسات الإستراتيجية القومية) الأميركي أن دول الشرق الأوسط بحدودها الحالية ما تزال قابلة للتغيير بوسائل حربية داخلية لأن وسائل الحرب من الخارج ليست هي القادرة وحدها على تغيير هذه الحدود أو تقسيماتها بين الدول أو داخل الدول.. ويرى أن سورية والعراق واليمن وليبيا أصبحت تشكل نموذجاً نجح فيه الغرب بفتح بوابات تقسيم داخلي ينشأ عن حرب داخلية.
وتعبر وجهة النظر الغربية هذه عن مصالح الإمبرياليات الغربية ومن يقبل بالتعامل معها ضد مصالح شعوب ودول المنطقة.. لكن هذه الطموحات الغربية لم تحقق حتى الآن منطقها التقسيمي خصوصاً لأن العراق وسورية واليمن ما زالت شعوبها قادرة على إحباط هذه الأهداف الغربية الاستعمارية القديمة الجديدة وهذا ما يؤكده (ريموندو) الذي يطالب واشنطن بالكف عن تسعير الحرب في سورية والعراق واليمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن