اقتصاد

هل فكرة إحداث وزارة شاملة لإعادة الإعمار مجدية؟

| د. إسماعيل قاسم

تتسارع عجلة الأحداث في الآونة الأخيرة على الساحة السورية لترسم طريق نهاية حرب امتدت سبع سنوات كانت نتائجها كارثية على الاقتصاد والمواطن، وبالتالي يكثر الحديث وتكثر الخطط والمقترحات من أجل إعادة الإعمار، بعضها واقعي، والآخر سيريالي.. ومن بعض المقترحات المتداولة تشكيل وزارة شاملة لإعادة إعمار سورية.
يمكننا التعامل مع هذا الطرح على محمل الجد بمناقشته على أرض الواقع للتأكد من مدى نجاعته من عدمها بحسب طريقة نقص الفرض، باعتبار هذا الطرح صحيحاً، وبالتالي ما هي الأمور التي يجب أن تعالجها هذه الوزارة وما هي القضايا التي يجب أن تأخذها بعين الاعتبار؟
تظهر محصلة سبع سنوات من الحرب على سورية أن المتضرر الأول هو المواطن السوري، حيث تظهر الإحصائيات أن التكلفة الإنسانية لهذه الأزمة كانت كبيرة، إذا فأولى المهام التي تقع على عاتق هذه الوزارة هي إعادة النازحين واللاجئين وتأمين العيش الكريم لهم حيث إن سورية الآن بحاجة ماسة إلى مواطنيها من أجل إعمارها.
أما بالانتقال إلى الشق الاقتصادي الذي تضرر بشكل ملحوظ مما أدى إلى انكماش الاقتصاد وتراجع حاد في الصادرات السورية، وبالتالي يجب على هذه الوزارة القيام بكافة الإجراءات واتخاذ الآليات المناسبة للتخلص من الأضرار التي لحقت باقتصادنا والنهوض به وإيجاد الحلول المناسبة له.
وبالانتقال إلى قطاعات أخرى متضررة بنتيجة هذه الأزمة فالقطاع الصناعي كان له النصيب الأكبر من الضرر الأكبر حيث إن الإرهاب المنظم عمد إلى ضرب البنى التحتية الاقتصادية وسرقة المعامل والآلات والمعدات وتهريبها إلى الخارج كما حدث لمعامل مدينة حلب يضاف إلى ذلك تدمير البنى التحتية للمصانع والمدن الصناعية ونقص مستلزمات الإنتاج نتيجة العقوبات المفروضة على الدولة السورية لذلك يتوجب على هذه الوزارة النهوض بالواقع الصناعي وجعله من أولوياتها.
كما أن القطاع الزراعي لم يسلم هو الآخر من هذه الأحداث وخاصة في مناطق الاشتباك حيث تضررت الأراضي الزراعية والمحاصيل الزراعية وانخفض الإنتاج الزراعي بشكل كبير وتقدر قيمة الضرر في هذا القطاع بـ15 مليار دولار وهذا تحد جديد لهذه الوزارة من أجل إعادة هذا القطاع إلى وضعه الطبيعي.
ومن القطاعات المتضررة أيضاً هو القطاع العقاري حيث إن هناك مدناً تدمرت بشكل شبه كامل وتقدر قيمة الأضرار في قطاع الإسكان بـ30% يضاف إلى ذلك الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية لهذه المدن والمناطق وهذا بدوره عبء ثقيل على وزارة إعادة الإعمار.
لن يتوقف الحديث هنا عن الأضرار التي لحقت بالقطاعات الاقتصادية، فالقطاع الخدمي تضرر وكذلك النقل والاتصالات والأمر نفسه في القطاع الصحي وقطاع السياحة… الخ
من هنا نصل إلى النتيجة والجدوى من إنشاء وزارة خاصة بإعادة الإعمار ألا وهي أن هذا المشروع فضفاض وغير مجدٍ، لا نظرياً ولا حتى عملياً، ويجب بدلاً من ذلك إيجاد الحلول الممكنة والبديلة، فإعادة إعمار سورية ليست فقط إعادة بناء المدن والمناطق السكنية وإعادة تأهيلها كما يعتقد الكثيرون، وإنما هي إعادة إعمار وإصلاح معاً وذلك من أجل النهوض نحو سورية الجديدة التي نحلم بها.
إن المشكلة ليست بالسهولة المتوقعة وليست تحدياً مستحيل التحقيق، فهناك تجارب وحلول يمكن الاسترشاد بها من أجل البدء الحقيقي في الواقع فمشروع إعادة إعمار سورية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن التكلفة كبيرة جداً، ويصعب تقديرها بدقة، لذا فأولى الخطوات التي يجب القيام بها بدلاً من إنشاء وزارة لإعادة الإعمار هي تفعيل لجان تقييم الأضرار في كل وزارة، لتقديم الآليات والإجراءات من أجل البدء بإصلاح ما تضرر بشكل علمي وعملي وكان هناك أن تشكلت لجنة في عام 2012 لم تجتمع إلا في النادر.
ثانياً، إن إعادة المهجّرين بفعل الإرهاب وتأهيل مناطقهم كما تعمل الحكومة يشكل مقدم مهمة باتجاه تمكينهم، لكونهم يشكلون القوة الفعالة في إعادة إعمار سورية ولعل التجربة اليابانية خير مثال على ذلك فبعد الحرب العالمية الثانية كانت اليابان مدمرة بالكامل ولم تكن تملك سوى همة مواطنيها التي كانت القوة الحقيقية وراء إعادة إعمارها فالعاملون كانوا مثقفين وذوي وعي وقادرين على تأدية واجباتهم في إعادة إعمار بلدهم وهذا أدى بدوره إلى الاستفادة القصوى من الموارد الإنتاجية والطاقة الإنتاجية فضلاً عن دمج الحرفة التقليدية بالتكنولوجيا.
كما يمكن اتباع سياسة لا مركزية في المدن من أجل إعادة إعمارها وحل مشاكلها بطرق مختلفة كاستقلال الوحدات الإدارية والتجربة الألمانية بعد الحرب العالمية أيضاً كانت الدليل الناجح على ذلك.
يتبقى هنا مشكلة التمويل واستقطاب رأسمال من أجل إعادة الإعمار وذلك في ظل العقوبات والتحديات المفروضة علينا، من هنا يمكن البحث عن الآليات والحلول لتشجيع المستثمرين وجذبهم نحو الاستثمار في بلدنا والاستفادة من الدول الصديقة كإيران وروسيا ومجموعة دول بريكس وفي الوقت ذاته يمكننا تمويل الاستثمار من الموارد الطبيعية وهذا يتطلب الحد من الهدر وإجراءات الإصلاحات من السياسات الحالية والاستفادة من عائدات المشاريع وذلك من خلال التشاركية الفعالة بين القطاع العام والخاص.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن