قضايا وآراء

ابن سلمان الثوري والإصلاحي!

| بسام أبو عبد الله

لا أعتقد أن أي عاقل في هذه الدنيا يؤمن أن هناك إعلاماً حراً، وموضوعياً في الغرب، بل إعلان تمتلكه لوبيات مال ومصالح، وتوجهه وفقاً لرياح، ورائحة المصالح الكبرى لهذه الشركات، أو لهذه الوسيلة الإعلامية، أو تلك.
فهذه هي الخلاصة التي يجب أن ندركها تماماً، ونفهمها، وأعتقد أننا في سورية من أكثر دول العالم التي تعرضت فيها الأحداث لحجم واسع من التضليل، والتلفيق، والتزوير حتى فاحت رائحة هذه المؤسسات الإعلامية من العفن في الكذب، وقلب الحقائق، وحبك الروايات المضللة للرأي العام.
حديثي هنا لن يكون عن سورية، وما رافق الحرب المستمرة عليها من كذب، ودجل، وإنما سأقدم نموذجاً آخر لنفاق هذا الإعلام الغربي الذي كما يبدو يُشترى، ويباع بأموال البترودولار، كما تُشترى أي سلعة أخرى، والذي يختلف فقط المبلغ المدفوع للسلعة، والاسم، والماركة المسجلة ولذلك فإن برنامجاً مثل «ستون دقيقة» الشهير على قناة «سي بي إس» الأميركية يستحق أن يُشترى بمبلغ كبير للترويج لولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبيل زيارته للولايات المتحدة الأميركية.
أنا هنا لست ضد ابن سلمان أن يروج لنفسه، لكن عليه ألا يزور التاريخ والواقع، ويلقي بالاتهامات ذات اليمين، وذات اليسار، وكأننا أمام تاريخ مملكة «الأم تيريزا» الخيري، وليس مملكة «آل سعود» الوهابية التكفيرية التي نشرت التطرف، والتكفير باتفاق مع الأميركيين أنفسهم الذين يروجون الآن للنسخة المحدثة من الوهابية، ومن مملكة آل سعود مع إعلان ابن سلمان «البيريستوريكا» على الطريقة «الغورباتشوفية» بعد انتهاء النسخة القديمة من حكام آل سعود، والبدء بالترويج للنسخة الجديدة منهم.
مشكلة ابن سلمان أنه بالرغم من ادعائه أن والده الملك سلمان كان يحب التاريخ، وكان يعطيهم كتاباً ليقرؤوه ثم يمتحنهم به في نهاية الأسبوع، وينقل عن الملك قوله: «إذا كنت تقرأ تاريخ ألف سنة، فلديك خبرة ألف سنة»، فإنه على ما يبدو لم يقرأ تاريخ أجداده، وسيرتهم العطرة في القتل، والسبي، وقطع الرؤوس، ولم يقرأ تاريخ الحضارات في المنطقة مثل «الحضارة الفارسية، والحضارة السورية، والحضارة في بلاد ما بين النهرين، وتاريخ فلسطين، ونضالات الشعوب في المنطقة» ليعرف أن أوزان الدول لا تقاس فقط بما تمتلكه من مال، ونفط، إنما بما تمتلكه من مخزون ثقافي حضاري وفني وموسيقي والأهم علمي، وبحثي، إضافة إلى النفوذ التاريخي الحضاري والوزن النوعي الذي يظهر في العراقة، ورائحة التاريخ وعبق الماضي، فالمال يمكن أن يبني أبنية جميلة، وحديثة ولكنها كما شبهها ذات يوم الروائي السعودي «عبد الرحمن منيف» هي كـ«مدن الملح» لا أكثر.
مشكلة ابن سلمان الأخرى أنه يريد أن يدعي الآن أن الإخوان المسلمين يغزون مدارس السعودية، ويتسببون بنشر التطرف، من دون أن يقرأ التاريخ الحديث على الأقل باعتبار أن والده علمه ضرورة «قراءة التاريخ» ليفهم أن الوهابية شريكة آل سعود في الحكم وهي التي نشرت التطرف، والتكفير في كل العالم الإسلامي بفضل البترودولار، وأن أبسط عامل سافر للسعودية يعرف ذلك، فما بالك بالذين خبروا مثلنا في سورية قذارة الوهابية، وممارساتها الإجرامية التي تجاوزت النازية! أوليست السعودية من كانت تدرّس في كل جامعاتها ولكل طلابها مقررا اسمه «الثقافة الإسلامية» حسبما يكتب أحد كتاب الإخوان في موقع قطري ليتبين له أن هذا المقرر من تأليف شيخ وهابي اسمه صالح الفوزان وهو مجموعة مقالات له تحت عنوان «الإرشاد في تصحيح الاعتقاد»، ويوصف الكتاب أنه دليل عمل للتكفير، والتفسيق، والتبديع ونفي الرأي المخالف تماماً حيث يكفر الكتاب كل من يخالف الوهابية، حتى إن هذا الكاتب الإخواني يسمي الكتاب «الإرشاد في تكفير العباد»!
الحقيقة أنه لا فرق لدينا بين الوهابية والإخوان باعتبار أن الاتجاهين هما صناعة الاستخبارات البريطانية.
إنه لمن المضحك تماماً هذه السردية السخيفة لمحمد بن سلمان حول أسباب التطرف، إذ يجب أن نذكّره أن خطيب الجمعة في السعودية كان يقول: «اللهم من دعا لقيادة المرأة للسيارة فاعمِ بصره، وشل أركانه، واجعله للناس عبرة وآية»، كما أن فتاوى رسمية صدرت بتحريم التلفزيون أولاً، ثم انتقل التحريم للتلفزيون الملون، ثم تحريم أطباق الاستقبال الفضائي، ومعاقبة الناس على اقتنائها!
لقد كتبت مجلدات عن التطرف، والتكفير في السعودية، ومناهجها، وداعش نموذج سعودي تطبيقي حاربناه هنا في سورية والعراق، بينما كانت السعودية تموله، وتدعمه بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
إن محاولة ابن سلمان في مقابلته مع الـ«سي بي إس» الأميركية إلصاق كل ما يحدث في المنطقة بإيران، هي محاولة فاشلة، ومكشوفة، ومفضوحة لتبرير تحالفه مع إسرائيل وتصفية قضية فلسطين، وتقديم الولاء المطلق لأسياده في واشنطن الذين لم ينظروا إليه كحليف، وصديق إنما كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب كـ«زبون» مربح، وكبقرة حلوب ستقدم حليبها كلما احتاجت إليه الولايات المتحدة لتشغيل معاملها، وشركاتها، حتى يجف حليبها، وساعتئذ ستذبح هذه البقرة كما قال ترامب نفسه في تصريحات سابقه له.
ومادامت السعودية بنظر واشنطن «زبوناً مربحاً»، فهي كذلك بالنسبة للإعلام الأميركي الذي هو على استعداد لجعل ابن سلمان الثوري الأول، والإصلاحي الأول، والنووي، والكيميائي، والفيزيائي وكل ما يريد، مادامت خزائن المال مفتوحة لواشنطن لتأخذ منها ما تشاء، وتغرف منها ما تشاء.
بالتأكيد: هذه مصلحة أميركية، ومصلحة سعودية، ومن حق ابن سلمان أن يروج لنفسه، لكن بطريقة متواضعة قليلاً، وبطريقة أقل كذباً، ونفاقاً، وادعاءً حتى ليكاد المرء يعتقد أن السعودية الأولى علمياً وبحثياً، والأولى في الحريات وحقوق الإنسان والفكر والثقافة والفن، وأن ابن سلمان يقوم باختراع الذرة من جديد.
روج لنفسك أيها الأمير كما تريد، لكن واضح تماماً أنك لم تقرأ تاريخ أكثر من عشر سنوات، ولذلك خبرتك ليست أكثر من عشر سنوات، وفقاً لمعادلة والدك الملك، تواضع وتخل عن التكبر والعجرفة، فأنت لست نيلسون مانديلا ولست المهاتما غاندي، ولن تكون، لأنك محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وفهمكم كفاية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن