اقتصاد

«تاج» في الموضع الخطأ!

| علي محمود هاشم

يكتنف الإعلان الأردني المتكرر عن تحويل مطار حسين العسكري في المفرق، إلى محطة لوجستية لإعمار سورية والعراق الكثير من الغموض الأمني والاقتصادي.
ما يردده البعض في المملكة، وآخرهم وزير استثمارها قبل أيام، يجترّ ثابتاً واحداً ملخصه تعهيد مهمة «الإعمار» تلك لمنظمة/ شركة (SAFE PORT).
الوظيفة الملكية شرق الأردن، وبعد المساهمة البرية والجوية في تمرير التدمير إلى سورية والعراق، تقفز اليوم نحو وظيفة جديدة بتوليف مطار حسين العسكري قرب الحدود السورية، إلى محطة إسناد لتمرير متطلبات إعمارهما.
لهذه الوظيفة «الإعمارية» خفاياها الأمنية والاقتصادية، فالملك الذي زجّت به لندن في أيار 2015 ككومبارس يسلّم «الراية الهاشمية» لجيشه ضمن مشهد بهلواني يجسد كاريكاتوريا أحلام التاج البريطاني «بتظبيط» حدود المنطقة، لم يترك فسحة للتفاؤل بإقلاع الهاشمي عن «هواية المقامرة» على موازين القوى المتبدل شرق المتوسط، ولا عن ولعه بأدوار الكومباس في حروبها.
في الأبعاد الأمنية لمهمة التاج الأردني الجديدة في إخفاء تاريخ (SAFE PORT) قد يكفي المرور على الـ«CV» الذي تستحوذ عليه هذه المنظمة/ الشركة، وما حظي به نشاطها من ثناءات غربية، وللمصادفة أصدقاؤنا في البنك الدولي أحدهم، لقاء «فعاليتها التشغيلية» في كل من أفغانستان والعراق… و«غوام»؟!
يسهل تصور الدور «الفعال» الذي أدته (SAFE PORT) في كل من أفغانستان والعراق، في «غوام» يتطلب الأمر توضيحا، فهذه الجزيرة بمساحتها الـ30 كم مربعاً، هي من هددت كوريا الديمقراطية قبل أشهر بدكّها نوويا دونما إفصاح عن ماهية الأهداف التي تحتضنها، بدا الأمر حينها رسالة مشفرة أفصح «المرسل» خلالها عن معرفته الدقيقة بما يفعله «المستقبل» هناك!
المتاح القليل عن «غوام» يشير إلى أنها جزيرة بلا مدنيين، وأنها القاعدة الأمنية النووية الأمريكية الأضخم في المحيط الهادئ، ومهمتها محاصرة آسيا في بحر الصين، ويكتفي الغرب بوصفها مقراً لـ«منشآت حساسة»، وأصدقاء الأردن «الإعماريون» في (SAFE PORT) حازوا الثناءات لدورهم في جعلها إحدى المنصات الخطرة لاستهداف الصين؟!
ما سبق، يكشف عمق «البركة الأمنية» الآسنة التي تنوي بريطانيا بناؤها في مطار حسين العسكري بالمفرق تمهيدا لإلقاء التاج الهاشمي في قعرها، وهو ما يتم إخفاؤه بقطعة قماش تجارية تستمد نسغها من الحرب «الجيو تجارية» الناشبة شرق المتوسط، لكن القماش إياه، يبدو أصغر مما يتطلبه «الشماغ» الملكي لإخفاء ما يحاك أسفله، إذ ليس لعاقل أن يقبل بأن إعادة إعمار وطنين مدمرين كسورية والعراق، يمكن له أن يتم عبر مطار يحلم بالتحويل إلى «محطة إسناد لوجستية عالمية».
للصهاينة خططهم المكملة الكاشفة لجذور التطلعات الأردنية، فهم يعكفون اليوم على نحت مؤخرتهم التجارية في مطار حسين، وفق ما قال وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي نهاية العام الماضي، معلنا عن «مباحثات مع الخليج لإحياء قطار الحجاز الذي يقلص تكلفة وصول البضائع الأوروبية، كما يدعم 25 بالمئة من التجارة التركية التي تمر عبر حيفا!
مع الجغرافية، قد يستقيم فهم الولع الأردني بالتحول إلى مؤخرة تجارية «معنوية» تتجاوز قناة السويس وتجبّ «حياء التطبيع» السعودي الصهيوني تمهيداً لإمداد الخليج بالسلع الأوربية، لا بل قد ينجح مطار «حسين/ المفرّق» بالتحول -مستقبلاً- لمؤخرة سعودية مقابلة تمرر النفط عبر أنابيب «التابلاين» إلى مصبه في حيفا، هذا الأخير قد يفسر «تجاريا» موقف «إسرائيل» الحاسم في تأمين الحماية للتنظيمات الثورية السورية الـ7 التي أسستها، انتشارها الفاضح على طول القسم السوري من «التابلاين» تحت ريفي درعا الغربي والقنيطرة الجنوبي.
عبر (SAFE PORT) وحثالات ثوار الجنوب السوري، قد ينجح التاج البريطاني باستكمال خطته «حسين/ المفرّق» لحرف «طريق الحرير» الصيني جنوبا من خلال تقديم نسخته البلاستيكية الأردنية كبديل حصري لانقطاع شريانه البرّي التلقائي بين سورية وشمال إفريقيا، كما تأمين منفذه البحري عبر الانهماك الإسرائيلي في مد الطرق والسكك الحديدية نحو الجولان السوري المحتل والخليج، عبر الأردن، إلا أن تعهيد تلك المنظمة مهمة «إعمار سورية والعراق» فشأن آخر يتجاوز حتى البعد السياسي غير الممكن لكلا البلدين بالتمدد عاريين على أرصفة الموانئ الإسرائيلية؟!
وفق نواميس الجغرافية ذاتها، ثمة مصدران اثنان لا ثالث لهما لإعادة الإعمار في سورية والعراق، فالسلع القادمة من الشرق سوف تمر عبر ميناء البصرة فبرّ العراق إليه وإلى سورية، وكذا السلع القادمة من الغرب ستحط في طرطوس إلى سورية والعراق، وبذلك، فكلا الطرفين يكرس للآخر منفذ إمداد لوجستي عملاق له، ولما خلفه من امتدادات تجارية.
والحال كذلك، فوفق المعلن الجغرافي -لا الأمني المخفي- يتمظهر سعي المملكة الجارة المحموم للزج بجغرافيتها وسط الجغرافيتين المنتصبتين لسورية والعراق عبر إعلان حكومتها «المتكرر» تلزيم مهمة إعمارها لـ(SAFE PORT) كليّ لعنق الجغرافية التجارية شرق المتوسط واستدراك بريطاني يائس لمنحوتته التي توّجت المملكة كمؤخرة أمنية إسرائيلية، عبر تطويبها اليوم كمؤخرة تجارية بما لا تحتمله الحدود القائمة.
أراضي الأردن الشقيق، صنعت لتاريخ سابق، هذا الخطأ التكتيكي الذي ارتكبته بريطانيا يوما لن تتحمل سورية أو العراق تبعات تصحيحه بالتأكيد، إضافة إلى أن انغماس التاج «الجار» في لعبة الأمن والاقتصاد ضد جيرانه وممارسة دور المؤخرة الإسرائيلية في «الإعمار» قد تستتبع انزلاق «التاج» إلى موضع أنسب، إذ إن الجغرافية التي قدمت نفسها ممراً لقوافل المدرعات وسيارات تويوتا لحثالات بريطانيا جنوب سورية وشرقها، إنما طوّبت ذاتها، وبشكل واع، كجغرافيا لصوصية لا تتمتع بالثقة الشرطية اللازمة لمشاريع إعادة الإعمار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن