ثقافة وفن

المسرح قيمة مؤكدة تتغلغل في وجدان الناس … وزير الثقافة لـ«الوطن»: افترشت الناس أرض المسرح للمتابعة وهذا يشير إلى حالة المسرح الصحية

| سوسن صيداوي

«هي لحظة من التواصل، هو لقاء لا يمكن أن يتكرر ولا يمكن وجوده بأي نشاط علماني آخر، إنها ببساطة بادرة من مجموعة من الناس، اختاروا أن يجتمعوا معاً في المكان والزمان نفسه للمساهمة في تجربة مشتركة، إنها دعوة لأفراد، كي يشكلوا مجموعة، ويتبادلوا الأفكار، ويتصوروا سبل تقسيم عبء الأفعال الضرورية، كي يستعيدوا ارتباطهم الإنساني رويداً رويداً ويجدوا أوجه التشابه بينهم، إنهم في المكان الذي يمكن لقصة معينة أن ترسم خطوط العالمية، هنا يكمن سحر المسرح، حيث يستمد التمثيل خصائصه القديمة». بمناسبة مرور سبعين عاماً على تأسيس الهيئة الدولية للمسرح، كان لهذا العام خمس كلمات، وهذه واحدة منها قدّمت- من المخرجة والكاتبة المسرحية والممثلة مايا زبيب من لبنان- بالنيابة عن الدول العربية، وفي مناسبة يوم المسرح العالمي قرأها الفنان كفاح الخوص في «صحوة» ضمن احتفالية مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة، حيث امتلأت صالة مسرح الحمراء بجمهور- من مختلف الفئات الثقافية والإعلامية والفنية والعمرية- يستهوي المسرح. شارك في العرض كل من الفنانين أمانة والي في دور الليدي ماكبث، محمد خير الجراح بدور جبران، وئام الخوص بدور الزرقاء، وسيم قزق بدور ريتشارد الثالث، محمد حمادة بدور الطبيب، حسن دوبا بدور إدموند، فرح دبيات بدور أوفيليا، ياسر سلموني بدور بهلول، خوشناف ظاظا بدور حفار القبور، بالإضافة إلى مشاركة فرقة آرام للمسرح الراقص. جمع العرض- التقنيات البصرية والإضاءة، مع اللوحات الراقصة- مقتطفات من عروض مسرحية عالمية، عبر شخوصها المشهورة، وكان استحضرها بطل العرض «جبران» وهو في حالة غيبوبة، وتمكّن مخرج وكاتب العرض كفاح الخوص أن يقدّم «صحوة» ضمن قالب كوميدي ناقد منطلقاً من واقع المعاناة الحياتية والمهنية لبطل المسرحية الذي هو الممثل والمخرج المسرحي. وبين اللوحات الراقصة مع الحوارات المتنوعة بين الفصحى والعامية وشعر النثر والشعر المحكي، تفاعل الجمهور ضاحكاً- للإيفيهات- ومصفقاً.

الفن المسرحي لا يشبه أي فن

أكد وزير الثقافة محمد الأحمد أنه لا يفضّل فكرة أن يكون لأي صنف من صنوف الثقافة احتفالية تمتد ليوم واحد يسمى العيد، مشيراً إلى أن كلاً من السينما والمسرح والكتاب وكل صنوف الثقافة والفن هي بحد ذاتها عيد مستمر ومتجدد، وبخصوص المناسبة عيد أو يوم المسرح العالمي تحدث عن المسرح السوري قائلاً: «أستطيع أن أقول: إن التجربة المسرحية في سورية كانت ثرية في الماضي وثرية في الحاضر وستبقى ثرية في المستقبل، ونحن في وزارة الثقافة ننظر إلى المسرح كقيمة أكيدة تتغلغل في وجدان الناس، لأن الفن المسرحي فن لا يشبه أي فن آخر، ربما تكون السينما أكثر وصولاً وبلوغاً لجماهير معينة، لكن دائما علاقة المسرح بالمتلقي علاقة لها نفس خاص». وعن عودة الألق للمسرح السوري وانتعاش عروضه مع أسماء كبيرة تابع «في العام الماضي والعام الحالي كسبنا عودة بعض الأسماء الكبيرة الى المسرح، حيث شاهدنا عملاً كبيراً للفنان أيمن زيدان وغسان مسعود، واليوم تكتمل العروض التي تحقق نجاحات جماهيرية في سورية ونجاحات نقدية في الخارج». وعن متابعته لعرض الاحتفالية (صحوة) أشار «عندما دخلت إلى مسرح الحمراء هذا المسرح، سررت بأن الناس كانت تفترش الأرض لمتابعة عمل مسرحي، وهذا يشير إلى الحالة الصحية التي بلغها المسرح سابقاً ويبلغها اليوم».
وحول تمسك الوزارة بوظيفتها الأساسية بنشر معايير الثقافة بالرغم من كل المطبات التي واجهت سورية خلال الأزمة أكد الوزير «إذا تابعنا الأفلام السورية نرى أنها كانت تتمتع بهامش واسع، والأمر ينطبق على المسرح والكتاب والفن التشكيلي، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن سورية بلد متين ثقافياً وحضارياً وتاريخياً، ومن يملك هذا التراث المتجذر آلاف السنوات في الحضارة، لا يخش من أن يعبّر بحرية كبيرة، وهذا ما نفعله اليوم على جميع الصعد الثقافية». مضيفاً: إن الوزارة تسعى بجد إلى تأسيس عدد أكبر من المسارح والاهتمام بها أسوة بالصالات السينمائية «نحن بالاتفاق مع الوزراء المعنيين كوزير الأشغال العامة والإسكان ووزير الإدارة المحلية والبيئة، اجتمعنا لنضع تصوراً لعودة المسارح، ونحن عندما نقول صالة سينما يجب أن تكون صالة مسرح، لا فرق كثيراً، وفي خطة إعادة الإعمار من الضروي أن يكون لدينا في جميع المباني المهمة من صالات سينما ومسرح، لنساهم أكثر في انتشار الفيلم السوري والمسرحية السورية كما ينبغي، ونحن نؤكد كلما أنتجنا مسرحية أو فيلماً سينمائياً أو أقمنا معرضاً تشكيلياً أو طبعنا كتاباً، كانت سورية ماضية ومستمرة وتستند إلى تجربة عظيمة».

المسرح بقي نابضاً رغم الحرب
على حين تحدث عماد جلول مدير المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة عن الاحتفالية قائلاً: «الاحتفال بالمسرح لا يقتصر على يوم المسرح العالمي ، فنحن نحتفل بالمسرح على طول أيام السنة، ولكن في يوم المسرح العالمي نحيي هذه المناسبة، بتقديم احتفالية نستقطب من خلالها جمهور المسرح، كي نشارك المسرحيين التهنئة في عيدهم ، وهنا لابد لي من التأكيد أن عروضنا المسرحية لم تتوقف طوال سنوات الحرب على سورية، وظل جمهور المسرح متمسكاً برفيقه على الرغم من كل الصعوبات التي كانت تواجهه في التنقل، وبالطبع قامت المديرية باستقطاب نجوم الفن السوري ليكونوا موجودين في الموسم المسرحي لعام 2017 أمثال الفنانين القديرين غسان مسعود وأيمن زيدان الذي سيبدأ بروفات عرضه المسرحي الجديد قريباً لتكون ضمن المستوى الفني الذي اعتدنا تقديمه من هذا الفنان الكبير».

مؤمنون بدور هذه الخشبة
من جانبه أكد الممثل كفاح الخوص أهمية دور المسرح في البناء الثقافي مشدداً على ضرورة استمرار هذا الفن مهما بلغت الظروف المهنية أو غيرها من شدة، قائلاً: «نحن مستمرون مهما كانت الظروف سواء جيدة أم سيئة، لأننا مؤمنون بدور هذه الخشبة، وبدورها الحساس والمباشر مع المتلقي، وبدور الرسائل المهمة التي يستطيع المسرح نقلها، وهذا ما يميزه عن باقي الفنون. فالمسرح من واجباته أن يطرح الأسئلة ويضيء الأماكن المظلمة، أما الحل فهو عند صاحب الحل وهو الذي يملك القرار، إذاً من واجبنا أن نسلط الضوء على بعض المواضيع وتبقى الأفكار في الذهن، وقد تبدّل وجهات النظر». وكما أسلفنا بالذكر العرض المسرحي «صحوة» هو من إعداد وإخراج الفنان الخوص، وبمشاركة عدد من الفنانين والراقصين. وعن العرض تحدث: «العرض هو مجموعة نصوص وشخصيات لها مقابل في حياتنا اليومية كريتشارد الثالث وأوفيليا وإدغارد وإدموند الأخ الشرعي وغير الشرعي، حتى ننسج هذه الكومة المسرحية التي يعيش فيها هذا الممثل المسرحي (جبران) الذي استيقظ وقال: إن هناك بروفا. وفي العرض هناك الفرح والضحك،- من المفروض أن يكون- هذا دور المسرح حيث لا يستطيع المشاهد أن يأتي ليرى ما يشاهده في المنزل».

مستقبل مسرحي متفائل
تحدثت مديرة المسرح القومي الممثلة أمانة والي عن الدور الذي يقوم به النجم التلفزيوني في شد أكبر شريحة ممكنة من الناس عند مشاركته في العروض المسرحية، متابعة «بالفعل يستقطب النجم التلفزيوني الكثير من الناس عند مشاركته في العروض المسرحية، ولكن أنا لا أؤمن بالنجم الذي يعمل بالتلفزيون دائماً ولا يعمل في المسرح وفجأة يقرر أن يقدم عملاً مسرحياً، لأن المسرح يحتاج إلى استمرارية وعند الانقطاع عنه يصبح الممثل التلفزيوني مهلهلاً. وبرأيي هذه الموجة السينمائية والمسرحية هي توجيه صفعة للدراما كي تنتعش وترجع، نعم نحن متفائلون فقد قضينا سبع سنوات عجافاً نريد بعدها أن نقدم شيئاً مهماً ونقدم آمالاً وأحلاماً لجيل الحرب ليتنفسوا، لأنه عند توقف الحرب سينتعش الاقتصاد ومن ثم سينتعش كل شي، وأنا من موقعي كممثلة أرى الجزء الممتلئ من الكأس، وقبلت أن أكون مديرة مسرح قومي كي أقدم شيئاً وأن أغيّر وأن أحسّن، ونحاول أن نشرك الفنانين والفنيين الكبار والصغار، وأن نقدم منحاً للمسرحيين الجدد وهناك بعض المغريات للمسرحيين الكبار».
رغم الوجع… يعشقون المسرح

من جهته تحدث الفنان محمد خير الجراح الذي قام بدور (جبران) عن العرض قائلاً: «مسرحية «صحوة» هي عمل يستعرض مفاصل مهمة بالمسرح العالمي، وبالوقت نفسه يحاول أن يحكي عن واقع الممثل المسرحي السوري ومعاناته، هذا ويعتمد العرض على أداء الممثل، فكل الممثلين في العرض مؤمنون بالمسرح، فالوجع الكبير الذي يعانيه ممثل المسرح يجب أن يحكى، ولأنهم ممثلو مسرح حقيقيون كانوا بهذا الألق الكبير. وبالفعل العرض فيه الكثير من النقد والسخرية من الواقع، لأن مهمة المسرح هي البوح بالحقيقة، وتسليط الضوء على ما يجري، وعلينا أن نجعل من المسرح عادة وعرفاً وتقليداً، لأن فيه الكثير من المفردات الثقافية، ونحن لدينا الإمكانيات، وبالطبع سنخسر رويداً رويداً وسنفقد هويتنا الوطنية وخصوصيتنا، إذا لم ندعمه بشكل حقيقي ويكون النقد حقيقياً، بعيداً من السب أو الذم، والاكتفاء بدور المسرح بتسليط الضوء وتوجيه الملاحظات وترك المهمة لأصحاب القرار».

الإشارة جديرة
يوم المسرح العالمي الاحتفاء به لم يكن مقتصراً على احتفالية دمشق، بل شمل العديد من محافظاتنا: اللاذقية وطرطوس والسويداء وحلب والحسكة، حيث قدّمت عروض «كوميديا شو» على خشبة المسرح القومي في اللاذقية، وسيستمر العرض لعدة أيام، وهو من إعداد وإخراج لؤي شانا، وعلى خشبة قومي طرطوس انطلق «عطر سيمفونية الموت»، وهو من إعداد وإخراج نضال حمود، بينما على مسرح المركز الثقافي العربي في السويداء انطلق «عويل الزمن المهزوم» من إخراج وجيه قيسية، وجاء عرض «الأشجار تموت واقفة» من إخراج إيليا قجميني على مسرح دار الكتب الوطنية في حلب، وعرض «حنين» من إخراج إسماعيل خلف على خشبة المركز الثقافي العربي في الحسكة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن