اقتصادالأخبار البارزة

المجلس الأعلى للاستثمار يعود.. وبنية قانون استثمار جديد … خميس: مطلوب قانون عصري يحدد هوية الاستثمار ويجذب المستثمرين … خضر: يجب ألا يمر القانون بصيغته السطحية الحالية وفيه أخطاء فادحة

| المحرر الاقتصادي

بدت الحكومة متأنية جداً لدى التعاطي في موضوع قانون الاستثمار الجديد، الذي تمت إعادته إلى اللجنة المختصة في هيئة الاستثمار لتعديله بعد عرض الملاحظات خلال اجتماع اللجنة الاقتصادية في 13 الشهر الجاري، مع وجود اختلافات حادة في الرؤى والمواقف حيال فلسفة القانون ورؤيته وبعض بنوده، بين الوزراء، وخاصة أعضاء مجلس الاستثمار الأعلى، الذي اجتمع مساء أمس الأول للبت في مسار مشروع القانون، حيث كانت «الوطن» حاضرة في الاجتماع الذي استغرق نحو الساعتين ونصف الساعة.
رئيس مجلس الوزراء عماد خميس استهل حديثه بالتأكيد أن هذا الاجتماع هو الأول بشكل فعلي للمجلس، وهدفه الرئيس استكمال الرؤية الحكومية في مجال الاستثمار، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى من عمل الحكومة كان يرتكز على القضايا التي تخصّ تسيير الأمور اليومية، وتأمين الحاجات الطارئة، وخاصة ما يتعلق بالمشتقات النفطية والكهرباء.. وغيرها، إضافة إلى العمل على 23 ملفاً مهماً، ومعالجة وتصويب العديد من مضامين تلك الملفات التي ارتبط أبرزها بالقروض المتعثرة والتأمين واستثمارات أملاك الدولة، منوهاً بأهمية متابعة تنفيذ المشروعات الرئيسة مثل الإصلاح الإداري وإنهاء مشروع سورية ما بعد الحرب، علماً بوجود 30 مشروعاً عبر وزاري بدء بتنفيذها من ثلاثة أشهر، يجب متابعتها.
خميس أكد عدة مرات ضرورة تحديد هوية للاستثمار في سورية، وخاصة خلال التقدم الملحوظ في إنجاز مشروع قانون الاستثمار الجديد، الذي لم يرق إلى مستوى الطموحات، فقررت اللجنة الاقتصادية بتاريخ 13 الشهر الجاري إعادته إلى اللجنة المختصة في هيئة الاستثمار لتعديله، مع تأكيده ضرورة إخراج قانون شامل وعصري ويهتم بكل تفاصيل الاستثمار من الألف إلى الياء، ويجذب اهتمام المستثمرين في الداخل والخارج بمرونته ودقته وأهميته.
وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل كان أول المداخلين، موضحاً أن مشروع قانون الاستثمار يوحّد مرجعية الاستثمار، ويراعي المبادئ التي تم إقرارها في لجنة السياسات موضحاً حقوق والتزامات المستثمر ويؤمن عملية فض النزاعات، مع منح المجلس الأعلى للاستثمار مزيداً من المزايا.
الخليل وصف مشروع القانون بأنه وصل إلى مرحلة النضج لتتم مناقشته، طارحاً مجموعة من التساؤلات التي يجب أن تتضمن النقاشات، مثل هل يجب أن يكون القانون الجديد إلزامياً لكل من يريد الاستثمار أو لا، منوهاً بأن الآراء حتى الآن تتفق على جعله اختيارياً لمن يرغب في الحصول على مزايا القانون، مع إتاحة الفرصة للاستثمار خارج مظلته، وهنا عرض الوزير لفكرة إجازة الاستثمار التي يجري العمل عليها لتكون بديلاً من التشميل للمشروعات، بحيث إن من يحصل على هذه الإجازة يطبق عليه القانون ويحصل على المزايا المنصوص عليها في بنوده، مشدداً على فكرة أن المشروع يحتاج إلى الوقت لبحثه وقبل إقراره ومن غير الوارد تقديم إطار زمني بدقة، فقد يحتاج إلى أسبوعين أو شهرين، لكن في النتيجة سوف يكون قانوناً عصرياً.

مبادئ الاستثمار الجديدة
من جانبه، عرض مدير هيئة الاستثمار مدين دياب لأبرز المبادئ التي تضمنها مشروع القانون، ومنها منح المجلس الأعلى للاستثمار المرونة اللازمة لإقرار حزم تحفيزية مالية، إضافة إلى العمل على ترشيد استخدام الحوافز الضريبية واعتماد سياسات استثمارية انتقائية لدعم الإنتاج المحلي والتصدير.
ومن بين المبادئ أيضاً تشجيع المشروعات الصغيرة للحصول على إجازة استثمار للاستفادة من الدعم والمزايا، وإنهاء اقتصاد الظل، وتشجع الاستثمارات ذات الاستخدام المكثف للعمالة ورأس المال، والموازنة بين الحقوق والضمانات للمستثمرين المحليين الأجانب، إضافة إلى رسم سياسات استثمارية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، ودعم القرارات بتوفير بيانات دقيقة، وتمكين الهيئة من مراقبة السوق المحلية لتدارك حدوث فجوات اقتصادية بين العرض والطلب، والسماح باستيراد الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج المستعملة، لدعم المشروعات الصغيرة والمشروعات المتضررة.
وتضمنت المبادئ توسيع صلاحيات وتعزيز دور هيئة الاستثمار لمرحلة سورية ما بعد الحرب، بجعلها بوابة واحدة للمستثمر، مع تقديم ضمانات حقيقية ومشجعة تحفظ حق المستثمرين وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص وعدم تحميلهم أعباء إضافية بعد إقامة مشروعاتهم، مع تأمين فض النزاعات عن طريق لجنة مختصة بفض النزاعات، والتقليل من مخاطر الاستثمار المحتملة.
ومن أبزر المطالبات العديدة للوزارات والجهات المعنية تشميل شركات التأمين بالقانون، على حين طلب مصرف سورية المركزي تعديل بند المشروعات المستثناة من القانون لتشمل مشروعات الاستثمار في القطاع المالي والمصرفي والصيرفي والحوالات الداخلية والخارجية.

فشة خلق الأمين
لم يتمكن الأمين العام لمجلس الوزراء قيس خضر من ضبط مستوى الحدة في نبرته لدى تقييمه الدقيق والمؤسف لمشروع القانون، فتحدث بعفوية لكن بدقة تشير إلى بحثه في كل كلمة وردت في المشروع، منوهاً بأن الخطأ يبدأ من الكلمات المفتاحية إذ عرّف المشروع الاستثمار الخارجي المباشر بشكل خاطئ، يجعل كل حوالة واردة إلى القطر استثماراً، واصفاً بعض الأخطاء الواردة فيه بالفادحة، ما يجعله غير مناسب لمرحلة إعادة الإعمار، منوهاً بأن هذا المشروع يجب ألا يمر بصيغته السطحية هذه.
مشيراً إلى أن مشروع قانون الاستثمار يتطلب لجنة خبراء فنيين ومختصين، وخاصة أن المطلوب الشركات الكبرى والعملاقة، وهذا ما لا يوفره المشروع بصيغته الحالية، وفيه استعجال، لذا يحتاج إلى فترة حضانة ليلد بشكل طبيعي.
الأمر الذي تطلب تدخل رئيس الحكومة بالتأكيد أن مشروع القانون لا يزال في مرحلة الدراسة ويجب أن يعرض على اللجنة الاقتصادية ولجنة السياسات ومجلس الوزراء ومجلس الشعب قبل إقراره، منوهاً بأهمية ما عرضه الأمين العام، لكنه علّق على النبرة فقط، وهذا ما علّق عليه بعض الوزراء.

ملاحظات الوزراء
أكد وزير الإسكان والأشغال العامة حسين عرنوس أن قانون الاستثمار الجديد يجب أن يتوافق مع مشروع التخطيط الإقليمي، وعدم منح التراخيص خارج المخططات، معلّقاً على فكرة السماح باستيراد الآلات وخطوط الإنتاج المستعملة، لجهة حصرها بالأماكن البعيدة التي لا يصل إليها المستثمرون دون العاصمة والمناطق الرئيسة.
وزير الزراعة أحمد القادري أشار إلى تساؤل مهم يجب الإجابة عنه يتلخص بـ«أيجب أن يوجهنا الاستثمار أم نحن يجب أن نوجهه؟»، واصفاً الموضوع بالإشكالية التي تتطلب حلاً بحيث يتم الاتفاق على إجابة واضحة للسؤال، معرباً على رفضه لفكرة السماح باستيراد الآلات والخطوط المستعملة، منوهاً بأن موضوع فض النزاعات أمر فني ويجب استشارة وزارة العدل فيه.
وزير السياحة بشر اليازجي فوجئ من مشروع قانون الاستثمار لجهة تجاهله العديد من القضايا المهمة المرتبطة بالاستثمار السياحي، إذ لا يتضمن أي نص لمنح مزايا للاستثمارات السياحية التي نحن بأمسّ الحاجة إليها لفترة ما بعد الحرب، إضافة لكونه يقيد المشروعات السياحية ولا يشمل تنظيماً للاستثمار السياحي، منوهاً بأنهم في وزارة السياحة مع أي قانون يقدم تسهيلات ويعزز الثقة بين المستثمرين والحكومة، مؤكداً أنه غير متمسك ببقاء المجلس الأعلى للاستثمار السياحي، ومع فكرة إلغائه لكن بعد استكمال البنية التشريعية للقطاع السياحي، مشيراً إلى العمل على عدة مشروعات قوانين في الوزارة.
بدورها وصفت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ريمة القادري مشروع القانون بغير الناضج، والمفتقر إلى هوية واضحة، لكي يصبح بمنزلة سجل وطني للاستثمار، فلم يحدد المشروع من المستفيد منه، مطالبة بمراجعته، وخاصة أنه يتضمن بنوداً بديهية جداً لا يحتاج إليها المستثمر لكونه يعرفها وهي بديهيات العمل، فالمستثمر -على حد قولها- لا يحتاج أن نعلمه الاستثمار بل أن نشجعه.
وزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف طلب توسيع مفهوم المناطق المتضررة لتشمل جميع مسببات التضرر لكون القانون ليس مرحلياً، معلّقاً على فكرة إجازة الاستثمار لكونها التشميل نفسه، مطالباً باستثناء الرسوم البلدية من قائمة المحفزات. على حين وصف وزير النقل علي حمود المشروع بالمهم، وبأنه يعطي قيمة مضافة للاستثمار، مع وجود بعض الملاحظات في قطاع النقل، علماً بأن المطلوب إنجاز خريطة استثمارية وتحديد أماكنها المناسبة.
ونوّه حمود بأنه مع فكرة السماح باستيراد الآلات والخطوط المستعملة لكن بضوابط، مطالباً بتضمين المناطق الصناعية البحرية التي سترى النور قريباً؛ ضمن المناطق الاقتصادية التي يشملها القانون.
من جانبه بيّن وزير المالية مأمون حمدان أن موضوع تبسيط الإجراءات والمحفزات يتطلب دراسة بعناية لكونها قد تكون غير مناسبة للمراحل كافة، وخاصة أن بعضها قد يكون ذا نتائج سلبية، «فإذا أعطيت المستثمر الجديد حوافز، فما ذنب المستثمر القديم؟»، مطالباً بالتركيز على تشجيع الشركات المساهمة لكونها تخفف الطلب على التمويل ومن ثم تخف الضغط على المصارف، كما أنها تحل إشكالية منح أراض للمستثمرين، بحيث تمنح للشركة التي يملكها المساهمون ومن ثم تبقى الأرض ملكاً للشعب السوري.
وزير الصناعة مازن يوسف أشار إلى توجيه الاستثمارات في القطاع الصناعي بشكل أوضح، متسائلاً: «لماذا لا يتم إعطاء طيف واسع من المحفزات للصناعات المستهدفة المطلوب تنميتها؟». على حين بيّنت وزير الدولة لشؤون الاستثمار وفيقة حسني أن مشروع القانون يلاقي خلافات، لكنه وصل إلى مراحل متقدمة، مقترحة طرحه على النقاش العام قبل عرضه على اللجنة الاقتصادية.
ختام المداخلات كان مع رئيس هيئة تخطيط الدولة عماد الصابوني الذي أكد أن اتخاذ قرار بتعديل قانون الاستثمار النافذ حالياً هو دليل على وجود إشكاليات فيه، إذ إن القوانين (8- 9) لم تنجح بتوجيه الاستثمارات إلى القطاعات الإنتاجية التي يجب تنميتها، وذلك من وجهة نظر كلية، منوهاً بأن التعديلات يجب أن تعمل على توجيه الاستثمارات نحو إعادة الإعمار.
ونوّه الصابوني بأن القانون الجديد ليس قانون إجراءات، لذا يمكن العمل بالقوانين النافذة حالياً ريثما ينضج القانون الجديد، ليكون أداة حقيقية لجذب الاستثمارات الخارجية والداخلية، وتوجيه الاستثمارات نحو إعادة الإعمار.

ختاماً
الكلمة الختامية كانت لرئيس الحكومة الذي أكد أن الجدال حول القانون الجديد ناجم عن رغبة الجهات الحكومية في الوصول إلى قانون عصري ومتكامل وبأفضل صيغة، مشيراً إلى نية الحكومة طلب آراء موثقة من رجال أعمال وأكاديميين مختصين وإعلاميين متخصصين بالشأن الاقتصادي حول مشروع القانون، لأن الهدف الوصول إلى قانون عصري يدعم العملية التنموية والإنتاجية، بشكل غير مرحلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن