قضايا وآراء

الحملة على روسيا وعوامل فشل أهدافها

| تحسين الحلبي

في أيلول 2015 اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس بشار الأسد على مشاركة سلاح الجو الروسي مباشرة في الحرب ضد المجموعات الإرهابية من داعش والقاعدة وجبهة النصرة فوق الأراضي السورية، وما كادت تمر أشهر قليلة حتى بدأ العد التنازلي لانتشار مجموعات داعش وسيطرتها تتسارع وتفقد مناطق واسعة بعد تصاعد عمليات الجيش العربي السوري مدعومة بسلاح الجو الروسي.
كشفت هذه الانتصارات المتسارعة من خلال هذا الدور المشترك، تواطؤ ما يسمى التحالف الدولي الذي كانت واشنطن تقوده بسلاح جوها باسم محاربة داعش، فقد مرت سنوات منذ عام 2012 على ما يسمى عمليات التحالف الأميركي ضد داعش من دون أي جدوى بل إن تحالف واشنطن كان يتواطأ مع المجموعات الإرهابية لتوسيع سيطرتها وهذا ما حدث حين سهلت واشنطن وحلفاؤها سيطرة داعش على مدينة الرقة في سورية وعلى مدينة الموصل في العراق بعد سنتين من مزاعم واشنطن بمحاربة داعش، وكان التحالف الروسي السوري قد أنجز خلال تلك الفترة تحرير حلب ومناطق واسعة من حمص وشمال سورية.
شعرت قوى التحالف الدولي الاستعمارية بالخطر الذي يشكله على مصالحها هذا التحالف الروسي السوري إضافة إلى التحالف مع إيران، فسارعت إلى استهداف الرئيس بوتين بشكل خاص وروسيا بشكل عام، من خلال حملات إعلامية وسياسية تتهمه بالمسؤولية المباشرة عن وضع السم لأحد الموظفين سابقاً في المخابرات الروسية الذي انشق ولجأ إلى بريطانيا وهو إليكساندر ليت فيينينكو وقيل إنه مات بسُم متطور عام 2006، وأعد ملف محاولة إنقاذه من الموت في كانون الثاني 2016 أي بعد ثلاثة أشهر على الدور الجوي العسكري المباشر لروسيا في محاربة الإرهاب مع الجيش السوري.
جندت بريطانيا زوجته في الشهر والعام ذاتهما لاتهام بوتين وتشكلت لجنة بريطانية لجمع المعلومات وفي النهاية ماتت القضية ولم يتأثر بوتين ولا روسيا، وكان الأسلوب ذاته قد استخدم في شباط 2005 ضد الرئيس الأسد بعد رفضه إنذار وزير الخارجية الأميركي كولن باول حين طالبه عام 2003 بعدم دعم المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي والتخلي عن دعم المقاومة اللبنانية وإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في سورية، فقد أعدت تل أبيب وواشنطن خطة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط 2005 لاتهام الرئيس الأسد بالمسؤولية المباشرة عن هذه العملية، وفي النهاية تمكن الرئيس الأسد من هزيمة هذا المخطط خلال عام من الحروب الإعلامية والسياسية ضده وضد سورية ودورها في دعم المقاومة.
بعد أن عجزت واشنطن وتل أبيب عن تحقيق أهدافهما قررتا شن حرب مكثفة وواسعة بكل أسلحة الجيش الإسرائيلي ضد لبنان والمقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله في تموز 2006 وانتصرت المقاومة وحلفاؤها من سورية إلى إيران على العدوان الإسرائيلي وأهدافه ضد الجميع.
وفي هذه الأوقات التي يعمل فيها التحالف الروسي السوري الإيراني ضد الإرهاب وحلفائه وحقق انتصاراته الميدانية، عادت بريطانيا وأعدت خطة قديمة جديدة «لشيطنة» الرئيس بوتين واتهامه مباشرة باغتيال سيرجي سكريبال الجاسوس الروسي المزدوج الذي عمل لمصلحة المخابرات البريطانية وأقام في لندن بسُم «فائق التطور»، وبدأت في الشهر الجاري رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي بقيادة حملة سياسية وإعلامية ضد بوتين وروسيا وهي التي كانت وزيرة الأمن الداخلي في بريطانيا خلال أعوام 2010- 2016 وحملت في عام 2016 بوتين مسؤولية اغتيال ليت فيينينكو وفشلت في مؤامرتها ويبدو في هذه الظروف أن الحملة البريطانية كانت أكبر بكثير من نظيرتها عام 2016 خصوصاً بهدف التشويش على تعاظم القدرات العسكرية الروسية الفائقة التطور والإعلان عنها من بوتين نفسه في خطابه في الأول من آذار الجاري.
بدأت واشنطن وعدد من الدول الأوروبية بشن حملة دبلوماسية على روسيا والمطالبة بمغادرة دبلوماسيين روس من عواصمها وكأن لندن وواشنطن تسعيان إلى إبلاغ رسالة «ردع» إلى روسيا وتهديدها بردود فعل متصاعدة بموجب ما أعلنته ماي نفسها، بل إن عواصم غربية بدأت تعد نفسها لحرب باردة علنية لعرقلة الدور الروسي الدولي في العالم بهدف عزل روسيا عن حلفائها ودورها في المنطقة بشكل خاص والساحة الدولية بشكل عام لكن معظم المحللين في الولايات المتحدة بل في أوروبا بشكل خاص، يستبعدون احتمال انتقال هذه التطورات الغربية تجاه روسيا إلى حافة تصعيد تشبه الحرب بسبب الخوف من مفاجآت روسية لم يعد لها الغرب حساباته بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن