قضايا وآراء

مؤشرات الخروج الأميركي

| مازن بلال

من المستبعد أن يكون قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب من سورية فكرة طارئة، ورغم حالة المفاجأة التي تركها هذا التصريح، إلا أن التوقعات تذهب بعيدا في قراءة ما يمكن أن يحدث، فهو سارع إلى تجميد الاعتمادات الخاصة بالعمل في سورية، في وقت كانت التقارير تتحدث عن توسيع مناطق الوجود الأميركي في شرقي الفرات، فالقرار مربك أكثر من مفاجئ، والرئيس الأميركي لا يولي المسألة السوري الكثير من الاهتمام.
الشكل القادم من الوجود الأميركي في سورية غير واضح، والحالة القائمة شرقي الفرات وفي الجنوب السوري باتت ضمن حسابات جديدة، على الأخص أن تلك المناطق شكلت خطوطا حمراً بالنسبة لواشنطن، كما شهدت اشتباكات محدودة وقصفاً أميركياً لأي محاولة تقدم سوري فيها، وفي الوقت نفسه فإن الخروج الأميركي سيخلق فراغا وخللا في الميزانين العسكري والسياسي، ولكن هذا الأمر لن يكون بالضرورة ضمن حسابات ترك الدولة السورية التعامل بشكل سيادي مع تلك المناطق، فالرئيس الأميركي تحدث عن «آخرين» سيهتمون بالأمر من دون أي تحديد لقوى محلية أو إقليمية، والمشهد وفق المؤشرات يقدم تصورين أساسيين:
– الأول هو أن الانسحاب العسكري يتضمن أجندة سياسية مرتبطة بتوافقات حل الأزمة السورية عموما، ورغم عدم وجود تحرك متسارع في هذا الإطار لكن من المستعبد أن تنسحب القوات الأميركية بشكل عشوائي من سورية.
عمليا فإن حالات الانسحاب الأميركي السريع لم تُسجل سوى في أفغانستان، ولكن وجودها في الثمانينيات لم يكن مباشرا بل عبر وسطاء سعوديين بالدرجة الأولى، بينما تملك واشنطن نقاط انتشار خاص في سورية ولديها دوريات تعمل في مناطق مختلفة من شرق الفرات، وعمليات انسحابها تحتاج على الأقل إلى ضمانات سياسية للقوى الموجودة في تلك المناطق وعلى الأخص قوات قسد، وعلى افتراض تقديم تلك الضمانات عبر العملية السياسية لكن المعادلة السياسية ستتأرجح بالتأكيد، وستفسح المجال للدول الضامنة (روسيا، تركيا وإيران) أن تؤثر في التوازنات بشكل عام.
– الثاني أن يكون الانسحاب لمصلحة إيجاد اختراق ضمن الدول الضامنة نفسها، وبالتحديد إفساح المجال لتركيا أن تلعب دورا متصاعدا في الشمال السوري، أما في الجنوب فمن الممكن للأردن أن تدخل بسلاسة في اتفاقات جديدة مع الحكومة السورية.
ما تريده الولايات المتحدة من وجودها في شرقي الفرات هو فرض واقع إقليمي مرتبط بإيران، والدعم الموجه للأكراد لا يتعلق بدعم حالة انفصالية بقدر كونه إيجاد مساحة جغرافية يمكنها من من التوجه نحو شواطئ المتوسط بشكل مريح، وهذه الأسباب لم تتغير حتى مع قرار ترامب الانسحاب من سورية، ولكنها يمكن أن تتحول باتجاه جغرافية جديدة في العراق، ويمكن أيضا الاعتماد على «قوى الفوضى» مثلما تم الاعتماد على داعش في مرحلة سابقة، فتحقيق الهدف الأميركي لن يكون بالضرورة استنادا لظهور دولة أو قوة كردية في شرقي الفرات.
الاحتمالات المترتبة على الانسحاب الأميركي ماتزال مشوشة، ولو تأخرت واشنطن في تنفيذ قرارها لكنه وقبل أي إجراء عسكري سيؤدي إلى تداعيات سياسية، فالإعلان بذاته يعبر عن زوال الغطاء الإستراتيجي لعملية التحول العنيف في سورية، وربما سيتيح هوامش سياسية مختلفة بالنسبة لجميع القوى الإقليمية أو حتى السورية، فهو إعلان عن مرحلة سياسية مختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن