ثقافة وفن

«دمشق… الشام» كتاب للدكتور لطفي فؤاد لطفي … هي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة ونضارة بقعة.. وكثرة فاكهة.. وكثرة مياه

| سارة سلامة

«يعتقد كثيرون أن دمشق هي أقدم مدينة في العالم، ويدعوها بعض المستشرقين لؤلؤة محاطة بالزمرد الأخضر، كما جاء في موسوعة الكتاب المقدس، وهي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة، ونضارة بقعة، وكثرة فاكهة، وكثرة مياه، قيل سميت دمشق لأنهم دمشقوا في بنائها، أي سرعوا، والشام: اسم بلاد سورية الطبيعية، أطلق على دمشق، لأنها قاعدتها وأجمل مدنها وأكبرها وأفضلها».
هذا ما جاء في تعريف ووصف الدكتور لطفي فؤاد لطفي للشام في كتابه الذي صدر عن وزارة الثقافة-الهيئة السورية للكتاب وحمل عنوان «دمشق.. الشام»، ويقع الكتاب في 156 صفحة من القطع المتوسط، تحت عناوين متعددة التجأ إليها الكاتب ليبين تاريخ هذه المدينة العريقة في وصف دقيق شمل كل حي من أحيائها وأساس تسميته وتاريخه وأهميته وعدد سكانه.
ويكشف أيضاً في الكتاب عن الهجرات إلى بلاد الشام، ومخطط الغوطة، والشام قبل الفتح العربي، مع الإضاءة على كل من وطئ أرضها مثل: الطولونيين، الإخشيديين، الحمدانيين، السلاجقة، والحركة الصليبية.
الإخشيديون
الإخشيد وهو لقب تركي كان يتلقب به ملوك فرغانة، طلب محمد بن طغج من الخليفة العباسي تسميته به، ومحمد من أصل تركي من فرغانة كان جده (جف) ضابطاً تركياً في جيش المعتصم وأبوه طغج، التحق بخدمة أحمد بن طولون الذي عينه والياً على دمشق، في هذه الأثناء استطاع محمد بن رائق القائد التركي أن يصبح في منصب أمير الأمراء ببغداد عام 324هــ/ 436، وطمع بولاية الشام التي استولى عليها بعد أن تغلب على عبيد اللـه بن طغج وواليها بدري عبد اللـه الإخشيدي.
انتهى النزاع مع الإخشيدي بالمصاهرة بأن زوّج الإخشيد ابنته فاطمة إلى ابن محمد رائق مزاحم كافور الإخشيدي الحبشي أحد مماليك الإخشيد وهو غلام أونوجور الإخشيدي، الذي كان عبداً خصياً قبيح الشكل اشتراه الإخشيد من بائع زيت بثمانية عشر ديناراً، والذي عكف على الدراسة حتى أصبح مربياً لولدي الإخشيد وأصبح موضع ثقته، فعهد إليه قيادة جيوشه في حربه على الحمدانيين.

حي القنوات
«قل أين تعيش أقل لك من أنت»، بهذه العبارة ابتدأ الدكتور لطفي الحديث عن هذا الحي حيث قال: كان لدمشق ضواح مأهولة منذ القدم وكان سكانها كثيراً ما يلجؤون إلى المدينة ضمن الأسوار، كلما شعروا بخطر محدق بهم، في منطقة القنوات صحوة عمرانية إن جاز التعبير منذ القدم، لكننا لا نعرف بدقة تاريخ بدء تموضع تلك الضاحية، إلا أننا واثقون من أن ضاحية عمرانية مزدهرة كانت موجودة منذ القرن السادس عشر الميلادي.
يقع حي القنوات غرب السور بملامسة محور قوافل الحج، لذلك شيدت على جانبيه أبنية تاريخية، وأصل القنوات من الموضوعات التي تثير حيرة الباحثين، فنحن نعلم أن هناك تعاقباً لمحلات وجدت في المنطقة لكن لم تكن بالضرورة تقع تماماً مكان هذا الحي، أقيمت القنوات فوق القنوات الرومانية إلا أننا غير متأكدين من أنها رومانية ولا من زمن وجودها.
كانت تسمى حتى القرن الثاني عشر الميلادي «الحميرية»، نسبة إلى قبيلة «حمير» التي ذكر أنها كان تقيم في منطقة القنوات.

حي الشاغور
في شرح قدمه لكل حي، كان للشاغور نصيب في كشف معالمه ومن أين جاءت تسميته، وقال: اختلف الباحثون في معنى كلمة الشاغور، إنما نستطيع القول إن لهذا اللفظ معنى جغرافياً أطلقه المؤرخون العرب على بعض المناطق ذات الغزارة المائية والتربة الخصبة، فمثلاً بلدة جسر الشغور قرب إدلب، وفي المتن الأعلى في جبل لبنان ثلاث قرى تحمل اسم الشاغور، كما يوجد وادي الشاغور الذي يفصل جبل الجليل إلى قسمين: شمالي يدعى الجليل الأعلى وجنوبي يدعى الجليل الأدنى.
فمنطقة الشاغور التي أطلق عليها هذا الاسم منذ نهاية القرن التاسع عشر عندما قامت الدولة العثمانية بداعي جباية الضرائب وتسهيل هذه الجباية إلى تقسيم دمشق إلى ثمانية أثمان منها اثنان داخل المدينة القديمة هما: ثمن العمارة وثمن باب توما، وخمسة خارج السور هي الميدان الفوقاني والتحتاني وساروجه والصالحية والقنوات، وثمن يقع داخل وخارج السور الذي هو الشاغور.

الصالحية
كذلك تناول حي الصالحية العريق الذي يتربع وسط دمشق وقال: تنفست دمشق الصعداء بعد رحيل حفيد حاكمها «طغكتين» الذي جعل للفرنجة على دمشق قطعة من المال كل سنة، فيأتي عاملهم كل عام يجبيها من أهلها وانفرج أهلها من ضيق المدن واكتظاظها. وكان أن رجعت دمشق تؤسس خارج سورها أرباضاً وأحياء جديدة، فتأسس حي العقيبة مكان «الأوزاع».
إثر احتلال الفرنجة بيت المقدس في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، بدأت أفواج من الفلسطينيين مغادرة مناطقهم لتأتي إلى الشام، ووصلت أول قافلة منها يرأسها كبير قرية جماعيل الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي في عام 551 للهجرة وكانت الحالة الوحيدة التي استقروا بها بشكل جماعي فنزلوا بمسجد أبي صالح بباب شرقي فأقاموا به نحو سنتين، وكان الشيخ أحمد أبو عمر يأتي إلى جبل قاسيون إذا مات لهم ميت يدفنونه به، فقال يوماً لمن كان يرافقه إنه ضاق صدره بباب شرقي واشتهى أن ينتقل إلى غيره، فأشار مرافقه إلى موضع المسجد العتيق في سفح جبل قاسيون وعلى مقربة من نهر يزيد، فنزل إلى النهر وتوضأ وجعل حجراً موضع القبلة وصلى فيه وقال ما هذا إلا موضع مبارك ثم انتقلوا إلى الجبل وقال الشيخ أبو عمر ينسبوننا إلى مسجد أبي صالح ومنها قال أحدهم: «الصالحية جنة الصالحين فيها أقاموا».

حي الشعلان
حي الشعلان الذي شيد بناؤه على الطراز الأوروبي كان محط انتباه لدى الكاتب: تحول بستانا آل الحبوبي وآل السبكي إلى حي سكني في مطلع العشرينيات من القرن الماضي بعد أن اشترى لورنس الشعلان بيت ياسين الهاشمي- أحد قادة المؤتمر السوري- وبنى إلى جانبه مسجداً عرف باسمه، كما بنى سعيد الشنواني- أحد تجار سوق الهال مسجداً قريباً منه، وقد ساعد على تكوين الحي الأبنية العائدة لجيش الاحتلال الفرنسي وقرب الحي من المندوبية التي كانت مقابل البرلمان.
اهتمت عائلات الفرنسيين في السكن في المنطقة الجديدة والممتدة من ساحة النجمة جنوباً حتى حي الروضة شمالاً ومن حي الصالحية شرقاً حتى شارع- أبي رمانة- أنشئ لاحقاً- كما اهتم بالسكن فيها العائلات الدمشقية المسلمة والمسيحية بما فيها الأرمنية التي انتقلت من الأحياء القديمة إلى حي جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن