ثقافة وفن

المعهد العالي يحتفل باليوم العالمي للمسرح … جيانا عيد: على الخشبة مارسنا فعل الحياة ورسمنا نوافذ المستقبل وارتقينا إلى النور الذي يصلنا بالله

| وائل العدس – تصوير طارق السعدوني

بغياب رسمي تام لوزارة الثقافة، احتفل المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق باليوم العالمي للمسرح 2018، بفعاليات متنوعة بحضور عميد المعهد وأساتذته ورؤساء أقسامه وطلابه ومجموعة من الضيوف على مدى يومي الجمعة والسبت الماضيين.
الاحتفال بهذا اليوم جاء احتراماً للمسرح الذي يجمع الفنون والثقافات كافة في تقليد حضاري يهدف إلى تعزيز دور المسرح في مجتمعنا الذي يمر بمجموعة من المتغيرات تؤثر بشكل كبير في مستقبل الجيل الشاب، إيماناً بأن المسرح هو أوكسجين الحب وبصيص الأمل ورمز الحياة والوجود والانتماء إلى العالم المتحضر.

معرض الكتاب
وافتتحت الاحتفالية بإطلاق معرض الكتاب الغني بأحدث الإصدارات التي تهم الطلاب كافة وبجميع الاختصاصات، بحسم يصل إلى 60 بالمئة، في دعوة صريحة من إدارة المعهد إلى طلابها بالنهل من هذا الفضاء الذي يغازل العقول ويفتنها.

مؤسس السينوغرافيا
وخصص المعهد هذا اليوم لتكريم مؤسس قسم السينوغرافيا نعمان جود، الذي رحل عن دنيانا العام الماضي، وسلمت عميدته درع التكريم لنجله المدرس.
ورفع الستار عن تمثال جود، كما تمت استعادة بعض أعماله عبر مجسمات ورسومات نفذها طلاب قسم السينوغرافيا، إضافة إلى عرض فيلم يتناول سيرته الذاتية من إعداد جيهان مملوك، كما تم عرض النسخة الأولى من كتاب يروي سيرة حياته على أن يطبع ويوزع في وقت لاحق.
ويعد جود، الأب الروحي للسينوغرافيا في المسرح السوري، فقد عمل مدرساً في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ووضع بصمته الخاصة على معظم عروضه.
ولم ينفصل جود عن الفن رغم كونه مهندس ديكور، حيث شارك على الخشبة المضاءة في مسرح الحمراء أو مسرح القباني، مقدماً عشرات العروض أبرزها «رأس المملوك جابر» مع جواد الأسدي، و«الزير سالم» مع نائلة الأطرش، و«سكان الكهف» مع فواز الساجر، و«يوليوس قيصر» مع شريف شاكر، و«قصة موت معلن» مع مانويل جيجي.
ويعتبر جود، إلى جانب عروضه في المعهد العالي للفنون المسرحية، من أبرز مؤسسيه، قبل أن يؤسس قسم السينوغرافيا في المعهد، واضعاً خبرته الطويلة في ابتكار المشهدية الخلّاقة والروح التعبيرية في استخدام الفراغ.
ولد الراحل عام 1945 وحاز شهادة الماجستير في تصميم الديكور المسرحي من المعهد العالي للفنون المسرحية في مدينة ليننغراد عام 1975، عمل موظفاً في مديرية المسارح والموسيقا في دمشق منذ ذلك العام وحتى عام 2005، درّس في المعهد العالي في دمشق مادة تصميم الديكور المسرحي منذ التأسيس، وأشرف على تأسيس قسم التصميم المسرحي في دمشق عام 2002 ودرّس فيه حتى وفاته.
يربو رصيده على 150 عملاً درامياً في المسرح والتلفزيون، كما شارك في العديد من المهرجانات منها قرطاج والمسرح التجريبي في القاهرة وغيرها.
صمم لعروض التخرج في المعهد وعروض المسرح القومي والعسكري والجامعي والقطاع الخاص، وعمل كسينوغرافي لأول عرض أوبرالي في سورية «دايدو وإينياس».

عرض لائق
وقدّم طلبة المعهد من السنوات كافة عرضاً مسرحياً لائقاً بالمناسبة تضمن مشاهد تمثيلية وأخرى راقصة على مسرح سعد الله ونوس امتد لحوالى ساعة ونصف من إخراج الفنان المبدع كفاح الخوص.
وأثبت الطلاب أن المسرح حياة فيها من الصخب والتعب والفرح والدموع ما يكفي ليكون العالم أجمل، وبرهنوا للعالم أنه رغم الانكسارات التي اغتالت الإنسان روحاً وجسداً ورغم الخواء والخراب ورغم أنين الخشبة، كانوا قادرين على إحياء مؤسس الفنون والعودة إلى ألقه، بالعمل فقط لا بالحلم ولا الرجاء ولا التمني.
ومن المفرح أن نجد هؤلاء المسرحيين الشباب يتصدرون المشهد بإبداعهم ومواهبهم وإصرارهم على تقديم ما هو مميز ومبدع بعرض يستحق التقدير ويبشر بالنجاح والتفوق الجمالي والفني، بروح خلاقة ومتفاعلة مع آفاق مستقبلية سورية.
فرض نبيل
وافتتحت عميد المعهد جيانا عيد كلمتها أمام الجمهور بالقول: لأنكم تصوغون الحياة بجدائل من أرق وياسمين، ولأن في عطائكم قداسة المطر وطهر التراب، لأنكم أبناء الحياة تُدعون، طوبى لخلاصكم الممهور، قرباناً ونصراً.
وأضافت: هي واحدة من المناسبات القليلة التي يتشارك فيها العالم لغرض نبيل، الاحتفاء بالفضاء الذي يصوغ الحياة بطريقة أسمى وأرقى وأنقى «المسرح»، وكم هي كثيرة المرات التي اجتمع فيها العالم على صياغة الشر والنفاق والسوء والتدمير لأغراض أنانية ومصالح براغماتية طامعة جامحة لحدود التوحش والدموية، والمثال الحي والمسيس، توحش العالم للإطاحة ببلدنا الحبيبة العتيقة في الحضارة والموغلة في القدم، كانوا يزدادون عنفاً وبطشاً ودموية وكنا نزداد قوة ومقاومة وبساطة، عملوا على إنهاء وجودنا عن خريطة العالم، وتسامت جهودنا للحضور المدهش لأننا قلب العالم، مارسوا كل الأساليب لإفنائنا ومارسنا كل الموجبات لتستمر حياتنا.
واعتبرت عيد أن الحرب التي شنت علينا لم تماثلها أي حرب حصلت في التاريخ، لا الأولى ولا الثانية ولا ولا ولا الأخيرة، لا التدمير النووي الذي حصل لهيروشيما ولا الحصار الذي حصل لليننغراد، لا قتامة لوحة الغورنيكا ولا صورة محمد الدرة التي لن تمحى من الذاكرة.
وأردفت: كل الهول لم يثننا عن مشاركة العالم في اليوم العالمي للمسرح، لأنّا على خشبته مارسنا فعل الحياة وفي فضائه رسمنا نوافذ المستقبل، وبين حزم أضوائه ارتقينا إلى النور الذي يصلنا بالله، وعبر موضوعاته دافعنا عن وجودنا وعن حضورها الذي لا يجاريه حضور في العالم، وفي رسائله صغنا الحياة بجدائل من أرق وياسمين.

كلمة المسرح
وألقى الطالبان إليانا سعد ونوار سعد الدين كلمة المخرجة والممثلة والكاتبة المسرحية اللبنانية في اليوم العالمي للمسرح 2018.
وجاء في الكلمة: هي لحظة من التواصل، هو لقاء لا يمكن أن يتكرر ولا يمكن وجوده في أي نشاطٍ علماني آخر. إنها ببساطة بادرة من طرف مجموعة من الناس اختاروا أن يجتمعوا معاً في المكان نفسه والزمان نفسه للمساهمة في تجربة مشتركة. إنها دعوة لأفراد كي يشكلوا مجموعة، ويتبادلوا الأفكار، ويتصوروا سبل تقسيم عبء الأفعال الضرورية… كي يستعيدوا ارتباطهم الإنساني رويداً رويداً، ويجدوا أوجه التشابه بينهم. إنه المكان الذي يمكن فيه لقصة معينة أن ترسم خطوط العالمية… هنا يكمن سحر المسرح حيث يستعيد التمثيل خصائصه القديمة.
وقالت بمناسبة مرور سبعين عاماً على تأسيس الهيئة الدولية للمسرح: في ظل ثقافة الخوف من الآخر المستشرية عالمياً، والعزلة والوحدة، يصبح وجودنا معاً هنا والآن، فعلاً من المحبة. أن تبتعد عن الإشباع الفوري والانغماس الذاتي في مجتمعاتنا ذات النزعة الاستهلاكية العالية والتطور المتسارع وتقرر أن تأخذ الوقت للتفكير والتأمل في الآخرين، فذلك بحد ذاته فعل سياسي وهو عمل فيه ما فيه من السخاء.
وتساءلت: كيف يمكننا إعادة تصور مستقبلنا بعد سقوط الأيديولوجيات الرئيسية وبعد ثبوت فشل النظام العالمي الحالي على مر العقود؟ ولما كانت السلامة والراحة هما الشاغل الأساسي والأولوية في الخطابات السائدة، فهل ما زال يمكننا الخوض في نقاشاتٍ غير مريحة؟ هل يمكننا أن نخطو تجاه المناطق الخطرة من دون الخوف من فقدان امتيازاتنا؟.
ورأت أن سرعة المعلومات اليوم أصبحت أكثر أهمية من المعرفة، وأصبحت الشعارات أكثر قيمة من الكلمات، وصور الجثث أكثر تبجيلاً من الجسد الإنساني الحقيقي. هنا يأتي المسرح، ليس فقط ليذكّرنا بأننا مصنوعون من لحم ودم وأن لأجسادنا وزناً، بل ليوقظ جميع حواسنا، ليقول لنا إننا لسنا بحاجة للاستيلاء والاستهلاك بما تراه أعيننا فقط، فالمسرح يأتي ليعيد للكلمات قوّتها ومعناها، ليستردّ الخطاب من السياسيين ويعيده إلى مكانه الصحيح… إلى ساحة الأفكار والمناقشة، حيث الرؤية الجماعية.
وأكدت أنه من خلال قوة الحكاية والخيال، يمدنا المسرح بطرق جديدة لرؤية العالم ولرؤية بعضنا بعضاً، وهذا من شأنه أن يفتح المجال للتفكير المشترك وسط الجهل الساحق للتعصب، عندما يعود مجدداً وبكل سهولة الخوف من الآخر وخطاب الكراهية وسيادة الرجل الأبيض بعد سنواتٍ من العمل الشاق، وتضحيات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم لمحاربة كل تلك الأمور المخزية… وعندما تُطلق النار على الأولاد والبنات في عمر الزهور في الرأس ويُسجنون لرفضهم الامتثال للظلم والفصل العنصري… وعندما يحكم المتطرفون غير المتّزنين بعض الدول الكبرى في العالم… وعندما تلوح في الأفق الحرب النووية كلعبة افتراضية بين رجال وصبية في مواقع السلطة… وعندما يصبح التنقل مقصوراً أكثر فأكثر على عدد قليل من المختارين، على حين أن اللاجئين يموتون في البحر، في محاولةٍ للدخول إلى الحصون العالية للأحلام الوهمية، حيث يتم بناء جدران أكثر وأكثر تكلفة، فأين يجب أن نسائل عالمنا؟ وخاصة أن معظم وسائل الإعلام قد باعت مبادئها. ليس لنا إلا ألفة المسرح حيث يمكننا أن نعيد التفكير في حالتنا الإنسانية، وأن نتصور النظام العالمي الجديد بشكل جماعي، ليس فقط بالحب والرحمة ولكن أيضاً بمواجهةٍ بناءة من خلال الذكاء والمرونة والقوة.
وأردفت: بما أنني من منطقة عربية، فإنني أستطيع أن أتحدث عن الصعوبات التي يواجهها الفنانون في العمل، ولكنني أنتمي إلى جيل من المسرحيين الذين يشعرون بالامتياز لأن الجدران التي نحتاج إلى تدميرها كانت دائماً واضحة. وقد دفعنا هذا إلى تعلم كيفية تحويل ما هو متاح، ودفع التعاون والابتكار إلى أقصى حدوده، فقد قمنا بالعمل المسرحي في الأقبية وعلى أسطح المنازل وفي غرف الجلوس وفي الأزقة وفي الشوارع. وكنا نجمع جمهوراً حيثما ذهبنا، في المدن والقرى وفي مخيمات اللاجئين. لقد كانت لدينا ميزة بناء كل شيء من الصفر في بيئاتنا، وتصوّر طرق للتهرب من الرقابة، علماً أننا لا نزال نعبر الخطوط الحمراء ونتحدى المحظور. تواجه اليوم هذه الجدران جميع المسرحيين في العالم، حيث لم يسبق للتمويل أن يصل لهذه الندرة وأن يتحول التهذيب السياسي إلى رقابة جديدة. وهكذا، فإن لمجتمع المسرح الدولي دوراً جماعياً يلعبه اليوم أكثر من أي وقت مضى لمواجهة هذه الجدران المتنامية، الملموسة وغير الملموسة. اليوم هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة ابتكار هياكلنا الاجتماعية والسياسية بصورةٍ خلاقة، وبأمانةٍ وشجاعة لمواجهة أوجه القصور لدينا وتحمل المسؤولية تجاه العالم الذي نشارك في صنعه.
وبينت أننا بوصفنا صنّاع مسرح العالم، فإننا لا نتبع أيديولوجية أو نظاماً يرتكز إلى معتقد واحد، ولكن نشترك في بحثنا الأزلي عن الحقيقة بجميع أشكالها، وفي مساءلتنا المستمرة للوضع القائم، وفي تحدينا لأنظمة القوة القمعية، وأخيراً وليس آخراً، في نزاهتنا الإنسانية.
وختمت: نحن كثيرون، نحن لا نعرف الخوف، ونحن باقون ههنا!»

اليوم الثاني
يوم أمس الأول، أعيدت أنشطة اليوم الأول للاحتفالية، إضافة إلى فقرة تكريم خريجي المعهد الدفعة الخامسة، قسم التمثيل عام 1985 منهم: أكرم الحلبي وبشار إسماعيل وعادل أبو حسون وسليمان شريبة وفراس قهوجي ونهاد عاصي ونهال الخطيب وكمال قرحالي وتامر العربيد.
وفي اليوم الأول عرض طلاب السنة الرابعة عرض تخرج الفصل الأول بعنوان: «صخب» من إشراف عروة العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن