من دفتر الوطن

قيامة الغوطة

| عصام داري 

سقى الغوطةَ الغنَّاءَ هاطِلُ مُزْنَةٍ…
ولا زالَ دفَّاقَ الزُّلالِ غديرُها
مسارحُ آرامٍ وفردوسُ أنفسٍ…
يُباري بها حُسْنَ الأصيل بكورُها
مُقنَّعَةٌ بالحُسْنِ منْ كلِّ وِجْهَةٍ…
وما فِتنةُ الأبصار إلا سُفورُها
شاعر الشام: محمد البزم
يخسر الحزن هذه المرة، فالفرح يكتب تاريخاً جديداً بورد الغوطة وأزاهيرها، بالمشمش والخوخ والدراق، والسفرجل والأعناب، بالجانرك واللوز والعوجا، بكل فاكهة الشام وتربة الغوطة البهية.
هي «مقنعة بالحسن من كل وجهة» كما قال البزم، لكن فتنة الأبصار هي في سفورها.
غابت الغوطة عن أهلها ردحاً من الزمن السود، الظلامي، لكنها عادت لتشهد عرسها وتذكرنا بأغنية من أشهر أغاني المطرب الراحل معن دندشي:
ع الغوطة يلا نروح يلا ع الغوطة… عروس الشام الحلوة بدها زلغوطة
الزغاريد عادت لغوطتنا فكان الربيع ربيعين، وتفتح الأزاهير واكب تفتح القلوب المحبة العاشقة لهذا الجزء الغالي من الأرض السورية، وعادت مواسم الخير والعطاء لتتزاحم مع مواسم الانتصارات التي زرعتها وحصدتها الزنود السمر بالعرق والدم المراق على تراب الوطن الذي ارتوى بالكبرياء والمجد والمحبة.
ملحمة الغوطة حكاية للصبر والتعالي على الجراح، وهي حكايات وطن ممتدة عبر التاريخ، من معارك التحرير من الاستعمار الفرنسي، إلى معارك التحرير من «جيش الإرهاب» الذين حاولوا زرعه في قلب سورية، كما زرعوا في الماضي إسرائيل في قلب الوطن العربي، لم تتغير الصورة، فالاستعمار هو الاستعمار، والإرهاب هو الإرهاب، أكان بأيدي زمرة من أهل البلد، أم من إرهابيين جاؤوا من كل بلاد الدنيا واستوطنوا فلسطين، أو من دولة عظمى جعلت الإرهاب سياسة رسمية لها!
لا أستطيع، ولا يستطيع الكثيرون، تصور الغوطة وقد لحق بها الدمار والتخريب، سأغمض عيني من الآن وحتى تعود غوطتنا إلى عهدها وتستعيد ربيعها وصيفها، أزاهيرها وثمارها اليانعة، ويستعيد الدمشقيون بساتين «سيارينهم» وأفراحهم، وأغانيهم التي طالما أنشدوها روحة وذهابا.
سننتظر الغوطة وهي ترتدي حلتها البهية، وتتزين بكل أزاهيرها، وترش عطورها على مريديها وزائريها، وعشاقها الذين انتظروا سبع سنوات عجاف، هي سنوات الجمر والنار والدم، بعدها نفتح عيوننا على الصورة التي ارتسمت لجنة دمشق في المخيلة التي لا تفصلنا عنها سوى سنوات قليلة، ننتظر الغوطة بعد نهوضها وقيامتها الجديدة.
عرفنا الغوطة ببساتين واسعة، وشوارع تظللها أشجار الكينا والحور، ولن يطيب العرس الشامي إلا عندما تعود العروس إلى دارها المروية حبا.
والغوطة لمن لا يعرف، ليست فقط هذه الجنة الصغيرة الواقعة على خاصرة دمشق الحضارة والتاريخ، بل هي كذلك تمتاز بوجود الآثار التي تعود في بعضها إلى العصر الحجري القديم، وآثار تعود إلى عصور قديمة وأديرة ومعابد أثرية وينتشر فيها أيضاً العديد من المزارات الدينية والمقامات وقبور الصحابة.
بدأت الكلام مع محمد البزم شاعر الشام، وأختمه مع شاعر الشام نزار قباني:
يا شام، إن جراحي لا ضفاف لها فمسّحي عن جبيني الحزن والتعبا
وأرجعيني إلى أسـوار مدرسـتي وأرجعي الحبر والطبشور والكتبا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن