قضايا وآراء

نتنياهو بين التصعيد المحدود والحرب الشاملة

| تحسين الحلبي

بعد احتلال القوات الأميركية للعراق في نيسان 2003 أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت آرائيل شارون أن وجود هذه القوات الحليفة لإسرائيل على حدود سورية سيزيد من قوة إسرائيل العسكرية والإستراتيجية ضد جبهة الشمال التي شكلت الخطر الاستراتيجي على إسرائيل بعد اتفاقات كامب ديفيد مع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات واتفاقات أوسلو مع منظمة التحرير واتفاقية وادي عربة مع الملك حسين، وترجم أيهود أولميرت رئيس حزب كاديما الذي أسسه شارون بعد غياب الأخير عن الساحة السياسية عام 2006.
هذه التصريحات أدت إلى حرب مباشرة على المقاومة اللبنانية وكان يعتقد هو وإدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، أنه سيقضي من خلالها على جبهة الشمال نهائياً ويؤسس الشرق الأوسط الكبير على الطريقة الإسرائيلية، واستمرت الحرب 34 يوماً وانتهت بهزيمة إسرائيل بعد أن تعرضت أجزاء كبيرة منها لتساقط صواريخ المقاومة.
حين انسحبت قوات الاحتلال الأميركية بطلب من الحكومة العراقية في كانون الأول عام 2011 أعرب رئيس الحكومة الإسرائيلية منذ عام 2009 بنيامين نتنياهو عن قلقه وامتعاضه من انسحاب القوات الأميركية من العراق وقال: إن الأخطار ستزداد على إسرائيل من سورية والمقاومة اللبنانية وإيران، وفي الأول من نيسان الجاري ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية في عنوان عريض أن «إسرائيل اعترضت على تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب الوحدات العسكرية الأميركية التي أدخلها بشكل عدواني إلى شمال سورية في وقت قريب»، وأضافت الصحيفة في العنوان نفسه أن «السعودية صرحت علناً عن معارضتها لسحب ترامب وحداته من سورية».
يقول المحلل الإسرائيلي هيرب كاينون إن «إسرائيل هي الأكثر تضرراً من انسحاب هذه الوحدات لكنها وجدت في مطالبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باستمرار وجود الوحدات الأميركية عاملاً يساعد إسرائيل في الضغط على ترامب بالامتناع عن سحبها»، وتعلق إسرائيل أهمية على دور مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للأمن القومي جون بولتون ودور وزير الخارجية الأميركي الجديد ميشال بومبيو في ثني ترامب عن تنفيذ انسحاب هذه الوحدات من سورية، وثمة من يعتقد في إسرائيل أن ترامب قد يحتفظ لفترة طويلة بهذه الوحدات إذا ما دفعت السعودية نفقات وجودها وأن ذلك سيتطلب من إسرائيل الضغط على العائلة المالكة السعودية لدفع مصاريف وجود الوحدات الأميركية في شمال سورية.
ومع ذلك يرى عدد من المحللين العسكريين في إسرائيل أن نتنياهو ووزير حربه أفيغدور ليبرمان يدركان جيداً أن أي حرب مقبلة على جبهة الشمال سواء بوجود الوحدات العسكرية الأميركية في شمال سورية أم من دون وجودها سيجبر الجيش الإسرائيلي على خوض حرب لم تعهدها في تاريخها، لأنها ستخوضها على عدد من الجبهات وبقدرات صاروخية مكثفة تطول جميع الأراضي المحتلة منذ عام 1948، ولكي يقلل من خطر هذه الحقيقة على معنوية الإسرائيليين أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي غادي آيزنكوت قبل وقت قريب أن الجيش الإسرائيلي يعد نفسه لسيناريو قد يضطره إلى العمل على خمس جبهات متعددة القدرات ومن اتجاهات مختلفة أخطرها جبهة الشمال آخر جبهة معادية في الصراع مع العرب على حد رأيه.
السؤال الذي يطرحه المحللون السياسيون في إسرائيل هو: هل يعد وضع أصحاب القرار في الحكومة الإسرائيلية مناسباً لتحمل نتائج مثل هذه الحرب سواء أكانت بمبادرة إسرائيلية استباقية أم رداً على اشتباكات تصعيدية؟
أشار عدد من المحللين في شهر شباط الماضي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» لاحتمال أن «يجر نتنياهو إسرائيل إلى حرب على الجبهة الشمالية بعد تكثيف حملاته وتهديده لحزب الله وإيران وسورية»، لكن عاموس هارئيل نشر تحليلاً في صحيفة هآريتس في 23 شباط الماضي حذر فيه من نتائج أي حرب يشنها نتنياهو في هذه الظروف لأنه لن يضمن تحقيق أهدافها، وأضاف هارئيل: «إنها لن تضمن له أيضاً الهروب من ملفات التحقيق الجنائية معه بتهمة سوء الائتمان والرشوة» ويرى أن نتنياهو لن يكون بمقدوره منع اتساع رقعتها بطريقة لا يمكن السيطرة على نتائجها الإقليمية أو الدولية.
مع ذلك، يرى آخرون في إسرائيل أن نتنياهو أمامه خياران: إما أن يتجنب حرباً شاملة، ويستمر في تمسكه في قواعد اللعبة التي لا تنقل التوتر مع الجبهة الشمالية إلى اشتباكات متصاعدة، وبهذه الطريقة يحافظ على وجوده في الحكم حتى تشرين الثاني 2019 موعد انتهاء ولايته، وإما أن يغير في قواعد هذه اللعبة وينقل المنطقة إلى حرب يفقد فيها رئاسة الحكومة على غرار أيهود أولميرت رئيس الحكومة السابق بعد شنه الحرب في تموز 2006 وهزم فيها ودفع الثمن بتقديمه الاستقالة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن