قضايا وآراء

ترامب وحروب «مكافحة» الإرهاب!

| تحسين الحلبي

من أراضي أوروبا، بدأت الحرب العالمية الأولى ما بين عامي 1914- 1918 والحرب العالمية الثانية ما بين 1939- 1945، ثم اشتركت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى إلى جانب بريطانيا وفرنسا في 6 نيسان 1917، أي بعد مرور سنتين ونصف السنة على بدايتها ضد ألمانيا والسلطنة العثمانية، وهو نفس ما قامت به الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية التي لم تشارك فيها إلا في السابع من كانون الأول 1941 أي بعد أكثر من سنتين على بدايتها، وقد كانت الإدارات الأميركية تترقب وتنتظر إنهاك الدول لقدرات بعضها البعض ثم تختار بطريقتها الوقت المناسب لمساندة الحلفاء، بريطانيا وفرنسا، وهو الوقت الذي يضمن مصالحها الاستراتيجية الكبرى.
لكن ما حدث في بداية القرن الواحد والعشرين كان مختلفاً للولايات المتحدة فهي التي أعلنت وشنت الحرب العالمية على الإرهاب وهي التي جندت إلى جانبها حلفاءها التقليديين في أوروبا والعالم لمشاركتها في الحرب على الإرهاب على أراضي أفغانستان في تشرين الأول 2001 ثم انتقلت إلى العراق في نيسان 2003 ثم ولدت التحالف الدولي للحرب على الإرهاب بعد عام 2011 لاستهداف معظم دول الشرق الأوسط، ولذلك يرى الكتاب والمؤرخون في الولايات المتحدة وأوروبا أن ما تقوم به الولايات المتحدة منذ عام 2001 هو حرب باسم «تحرير المنطقة والعالم من الإرهاب الإسلامي المتشدد» وهي الحرب العالمية الأولى الأميركية التي تحدد فيها الولايات المتحدة توقيتها وشعاراتها وأهدافها، وتجند فيها حلفاءها ضد عدو ابتكرته وصنعت منه نماذج متنوعة، ثم قررت استخدامه لشن هذه الحرب التي تعد أطول حروب الولايات المتحدة لأنها مستمرة منذ 17 عاماً وتنتقل فيها القوات الأميركية من دولة إلى أخرى إلى حد جعل عدداً من المسؤولين الأميركيين يعلنون أن «الحرب على الإرهاب» في المنطقة قد «تستمر ثلاثين عاماً»!
في الحقيقة ما ترغب به الإدارة الأميركية، ما دامت هذه الحرب قابلة للانتقال بتبريرات واهية إلى دول يزيد حجمها على دول في الشرق الأوسط ما دامت تقدم للولايات المتحدة فرصة ابتزاز أموال دول النفط وتسخير بعضها في تنفيذ المخططات الأميركية لتوسيع السيطرة والهيمنة الأميركية العالمية.
يقول الكاتب السياسي الأميركي توم اينجيل هارت مؤلف كتاب «نهاية ثقافة الانتصار» الذي شارك في كتاب «مشروع الإمبراطورية الأميركية» الصادر بعد 11 أيلول 2001: إن إدارة جورج بوش الابن أرادت تشبيه ما جرى من تفجيرات في نيويورك بالهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر الأميركي وتدمير السفن الحربية ومقتل 2500 جندي أميركي عام 1941 وهو الهجوم الذي جعل الوقت مناسباً للإدارة الأميركية بالمشاركة إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
ويرى اينجيل هارت في تحليل نشره في مجلة «أنتي وور» الإلكترونية الأميركية أن «هذه الحرب الأميركية العالمية باسم «مكافحة الإرهاب» تهدف منذ بدايتها إلى «محاصرة روسيا والصين أو احتوائهما» عن طريق السيطرة الأميركية المباشرة على المناطق الإقليمية الإستراتيجية بموجب ما قاله عدد من أعضاء مجلس الشيوخ.
ويضيف هارت: «وها هي تولد مشاريع حروب جديدة في «السايبر» وفي الاقتصاد والتجارة إضافة إلى رغبة واشنطن بتوسيع رقعتها نحو بحر البلطيق، والبحر الأسود، وسورية وبحر الصين الجنوبي وبحر شرق الصين».
لا شك أن إدراك القيادة الروسية والصينية والدول المتحالفة معهما بأهداف هذه الحرب ومحاولة إطالة أمدها لاستنزاف كل هذه القوى كان من بين الأسباب الرئيسة التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإعلان عن عدد من الأسلحة الإستراتيجية الروسية في الأول من آذار الماضي أمام العالم أجمع كخطوة على طريق زيادة الردع الروسي لواشنطن وإجبارها على مراجعة سياستها في إطالة أمد هذه الحرب العالمية الأميركية وعدم توسيع رقعتها وأبعادها.
وكأنه يقول لإدارة ترامب ألا تمتحن صبر موسكو أو قدرتها الإستراتيجية الجديدة وغير المسبوقة في التكنولوجيا العسكرية الحديثة، والكل يلاحظ أن ما يسمى «الحرب الأميركية على الإرهاب» كانت توسع دائرة الأعمال الإرهابية ولا تحد منها وزاد عدد الدول المتضررة منها والدول المستهدفة من واشنطن باسمها، وإذا كانت الحرب الأميركية على اليابان قد انتهت باستخدام واشنطن لقنبلتين نوويتين على مدينتين يابانيتين فتوقفت بعد ذلك الحرب العالمية الثانية فإن رسالة بوتين في آذار الماضي قد تعد تحذيراً بأن المطلوب من إدارة ترامب إغلاق هذه الحرب لأن ميزان القوى بين موسكو وواشنطن تغير لمصلحة موسكو ولا مجال لتصعيد أميركي يصل إلى عتبة مواجهة نووية أصبحت فيها موسكو القوة الحاسمة بموجب خطابه المذكور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن