ثقافة وفن

فن اختيار الأزواج بين الماضي والحاضر … الرجال مثاليون.. والنساء ملائكة!

| أنس تللو

كثيرة جداً هي الخدع الطنانة التي يلجأ إليها الرجال والنساء على حد سواء لإظهار أنفسهم على غير ما هم عليه… فكم من رجل صور نفسه ملاكاً طاهراً… فانطلى ذلك على الفتاة… عزٌّ وجاه ومال ، وهو ليس كذلك.
وكم من امرأة (صاغت) نفسها على أنها آيةٌ من آيات الجمال الأخاذ وصدَّقها الرجل في ذلك… فتنة وعفة وبهاء، وهي ليست كذلك.
ملكاتُ جمالٍ قبيحات… وطاهرونَ أغنياء شياطينٌ فقراء.
عالم يسوده الكثير من الرياء والتمثيل والكذب والنفاق.

كان الأقدمون يعتبرون أنه مهما بلغت الفتاة من الرشد ومهما نضجت وكبر عقلها فإنها لا تقدر على (تقييم) الرجل المناسب القادم لخطبتها أفاسد هو أم صالح ، لذلك فإنهم لا يستشيرونها في ذلك… وعلى النقيض من ذلك جاء بعض المحدثين فسلَّموها الزمام فاختارت وخطبت وبتت في الأمر… وهي في ذلك كله لا تدري أيهما الصواب.
في الماضي القديم كان لِزاماً على أهل الشاب الذي بلغ العشرين من العمر أن يبحثوا له عن فتاة مناسبة له (من وجهة نظرهم هم)… ولما كان هذا الأمر من الصعوبة بمكان إذ ليس من المحبب أن تطوف الأم أحياء البلد باحثة عن تلك الفتاة؛ لذلك فقد نشأت آنذاك مهنة طريفة هي (الخطَّابة)… وما كان أفضلها من مهنة آنذاك تقدم (البضاعة) جاهزة ، فقد كانت تحضر إلى البيوت حاملة معها صوراً للفتيات اللواتي زارتهن أو زارت أمهاتهن ؛ صوراً كانت تظهر الأمر على حقيقته نوعا ما إذ لم يكن هناك من أسلوب للتعامل مع الصور للتغيير أو التجميل.
كانت هذه المرأة تقدم الصور لأهل الرجل فتنظر فيها الأم لتنتقي لابنها فتاة مناسبة (من دون أن تخبره)… ثم تجتمع مع اثنتين من جيرانها أو قريباتها للذهاب إلى بيت الفتاة.
تدخل النساء الثلاث إلى البيت المطلوب، ولم يكن من المحبب الخوض مباشرة في حديث الخطبة والزواج فيتناولن أحاديث أخرى تقترب من حديث الزواج وتلمح له تلميحاً ، حتى إذا ما ظهرت الفتاة لهم فجأة لتقدم لهم القهوة نظرت إليها واحدة منهن نظرة خاطفة فإذا ما أدركت من خلالها أن الأمر مقبول بادرتها بالقول: بسم الله ما شاء الله، يا أرض احفظي ما عليكِ… ثم وبعد أن يأخذن فناجين القهوة تقوم إحداهن بتقبيل الفتاة مبدية إعجابها بها، وكان الهدف من هذه القبلة عدة أمور منها التأكد من رائحة فم الفتاة، ولمس شعرها وبشرتها.
ولا يمكن الاكتفاء بزيارة واحدة لأن النساء كنَّ يعلمن أن تكرار الزيارات من شأنه أن (يكشف) بعض الأمور الاجتماعية المهمة، فتتكرر الزيارات لأن الموافقة على الفتاة ومظهرها لا تكفي بل في كل زيارة لا بد من تفحص أمر ما؛ ففي الزيارة التالية تقوم إحدى النساء بقلب السجادة للتأكد من أن ما تحتها نظيف لا غبار يتخلله… وفي زيارة أخرى تقوم واحدة منهن بالنظر خلف الكراسي للتأكد من نزعة النظافة لدى أهل هذا البيت الذي ستطلب منه إحدى فتياته، ثم في زيارة تالية تتأكد إحداهن من لمعان بريق النوافذ ومن لمعان ورق الزريعة… إذ إن لمعان هذا الورق من شأنه أن يؤكد أن الفتاة المطلوبة نشأت في جو غاية في النظافة… وأخرى تتابع موضوع الصمديات وأسلوب وضعها، أهي في مكانها المناسب أم إنها وضعت بشكل عشوائي… ناهيك عما يتخلل هذه الزيارات من أحاديث شتى يتبين من خلال مداولتها مع الفتاة وأهلها الكثير من الأمور الاجتماعية.
ذلك أن الموافقة الأولى على الفتاة تكون مبدئية، فإن بدا أمر ثنى رأي الخاطبات أهل الرجل فإنهن لا يكررن الزيارات.
وكذلك إن ظهر شيء لا يعجب أهل الفتاة فإنهن يتوقفن عن استقبال (الخاطبات)… فهي (دراسة) كان يقوم بها الطرفان بشكل باطني من دون تصريح وفي أثناء تلك الزيارات تكون النساء من أهل الفتاة قد أعلمن الرجال عن هذا الأمر فيقومون بدورهم بالتقصي عن أحوال الشاب… وما تكون الزيارة الأخيرة (زيارة الخطبة) قد آن أوانها إلا ويكون الجميع قد تيقن من أن الأطراف الأخرى راضية عن الأمر… وفي الأعم كان الرجل لا يرى الفتاة إلا مرة واحدة أو مرتين، إذ إنه يعتمد على عيون أمه الحاذقة وأنف جارته الذي لا يخطئ، وملمس عمته أو خالته التي تنصحه بالرفض أو القبول… ثم يكون الرأي الأخير للشاب والفتاة فيكون القبول أو الرفض في استئناس من الأهل الذين وافقوا مسبقا بعد تلك (الدراسة) التي قامت، وأحيانا كان أهل الفتاة يجبرونها على عريس ما لأسباب مادية أو اجتماعية وهنا تكمن الطامة الكبرى.
وفي الغالب الأعم كان الزواج يتم من دون أن يرى أحد الطرفين بعضهما لا العريس ولا العروس إلا في ليلة العرس… وكان معظم هذه الزيجات يستمر إما بالرضى والموافقة اللذين يحصلان فيما بعد عن طريق العشرة الطيبة أو المعاملة الحسنة أو يستمر على مضض وعدم رضى من أحد الطرفين أو كليهما.
أما اليوم فإن رسالةً حانية رقيقة من شاب أنيق أو رموشاً صناعية زائفة من فتاة حسناء كفيلة بأن تعقد بين قلبيهما عقد الغرام… وهذا العقد قد يوصلهما إلى عقد القران.
لقد غدا الشاب يعتمد على نظره وحده فلا يقبل مشورة ولا يسمع نصيحة، وغدت الفتاة تظن نفسها حكيمة خبيرة.
فهل أفلحت أيها الجيل الجديد؟
هل أفلحت بتركك تلك العادات والأصول القديمة؟ وهل نالك حظ من توفيق؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن