ثقافة وفن

أحداث مسرحيّة داخل وخارج العرض وراية متجددة للفساد…مسرحيّة «زهرة الياسمين»… مديرية المسارح تضع العقبات.. والعرض يحظى بجمهوره

عامر فؤاد عامر- تصوير طارق السعدوني : 

الصراع بين الخير والشرّ، وقصّة دراميّة يجسدّها مجموعة من الممثلين والفنيين بصورة حملت روح التعاون يعبّر كلّ منهم عن أدواته بما يمكن أن يصل للطفل بصدق، والتعامل مع ذكائه بحذر، وصولاً إلى نتيجة منطقيّة؛ وهي تفوّق الخير، وانتصاره على الشرّ، مع تصفيق للأطفال، وتأثير واضح من خلال ردّات فعلهم، وصيحاتهم أثناء العرض، وبعد انتهائه، وسعيهم للاقتراب أكثر من الشخصيّات وتلمّس أدوات الديكور والقطع التي اعتمدها. هذه هي أجواء مسرحيّة «زهرة الياسمين» باختصار، وبساطة، ولكن لدى الدخول لتفاصيل العمل، والتحدث إلى القائمين عليه سنجد صعوبات بالغة واجهوها وتأثروا فيها وتحدّوها، ما يجعلنا أكثر أسفاً على ما وصلنا إليه، فبعد مرور وقتٍ طويلٍ من الأزمة السوريّة، التي علقنا منطق وقوعها في جانب منه على كلمة الفساد، نجده اليوم أكثر وضوحاً في مديريّة المسارح والموسيقا، ولا يوجد من يحاسب!

عنايّة بالتفاصيل كرمى للطفل

التقينا مخرج العرض ومؤلف النصّ «وليد الدبس» وتحدثنا معه عن تفاصيل خاصّة بعرض «زهرة الياسمين»، وعن شاشات الإسقاط أو شاشات خيال الظلّ المستخدمة فيه يجيب: « شاشات خيال الظلّ هي من مخيّلة الإخراج، ومن الإحساس باللون، وهي وسيلة في كيفية إيصاله للمتلقي، والمشهديّة بالإجمال كيف يمكن أن تُقدّم له، وهذا كلّه سيشكّل صورة متكاملة لدى الطفل، فمثلاً عندما نقول غابة في سياق العرض سنضع تمثيلاً لها خيال شجرة على هذه الشاشات لتحريض مخيّلة الطفل في تذكر مشهد أو شكل الغابة، وهنا كلّ طفل سيتخيّل الغابة حسب المعلومات المسبّقة التي شكّلها عن الغابة، وهنا راعيت مسألة مهمّة وهي أن الطفل يمتلك طاقة من الخيال مخيفة جداً، وعلينا أن نتعامل مع هذه الثقافة بحساسيّة واهتمام».

تقبّل الأطفال لسلبيّة الشخصيّة
تنوعت المسرحيّة بين شخصيات إيجابيّة وأخرى سلبيّة وفي مشاهد كثيرة توضحت صورة للمؤامرة تحاك بطريقة مزعجة لقتل الحالة الجمالية المرتبطة بزهرة الياسمين بطلة العرض، ولوجود الساحرة ومساعدتيها مساحة كبيرة من تلك المشاهد، وعن مشاهد الخوف والعمل على كيفيّة تقبّل الطفل بشجاعة، أجابنا المخرج «وليد الدبس»: «مسرح الطفل يرتكز على قاعدة في أحد جوانبه وهو الصراع بين الخير والشر، وهي مسألة درستها بدقة، فانتقيت الكلمات باهتمام حتى يستطيع الطفل سماعها ولا يخاف منها من خلال الشخصيّات، وهذا طبعاً على صعيد الحوار، أمّا على صعيد المكان، فاختيار الألوان يجب أن يكون مراعى جداً بما يتناسب مع المخيّلة، وذوق الأطفال، وثقافة البيئة، والفطريّة، ثم العمل على الحركة وطريقة الأداء، ثم الموسيقا، ثم اللغة البصريّة الموجودة في العمل كله».

حرارة مرتفعة ولا تكييف في الصالة
يُحسب في العرض الإقبال الكبير في الحضور، وقد تنوعت شرائح الجمهور فالأعمار متفاوتة ولم تحمل فقط شرائح الأطفال، وعلى الرغم من درجة الحرارة المرتفعة جداً إلا أن الحضور كان كبيراً وهذا دليل نجاح العرض، ومن المؤسف نقل أجواء الصالة التي امتلئت بالحضور والتي لم تحمل أدنى درجات التكييف، وهو مسرح القباني، فهل من المعقول ألا تتمكن إدارة مديرية المسارح من تدارك هذه النقطة حفاظاً على صحة أبنائنا وإن كانت على موقف ما من العرض، فهل تأخذنا المواقف في هذا الزمن إلى المغامرة حتى بمن بدؤوا بتلمس الطريق وأقصد الأطفال، فمع مرور ساعة كاملة على تقديم العرض على المنصة وصلت أجواء الصالة لحالة تعيسة وخيالكم كافٍ لتصور ما حدث والمشكلة تكمن أنهم أطفال!

نصّ محلّي
فيما يتعلق بالنصّ والتأليف المحلي وخصوصيّته عن تبني نصّ مترجم غريب عن البيئة والثقافة يشير المخرج وليد الدبس إلى أنه بحث عن نصوص تُعنى بمسرح الطفل لكن النتيجة التي وصل إليها أن النصوص فقيرة، مع وجود نصوص مترجمة مأخوذة من ثقافات أخرى، لكن هذا بحدّ ذاته جعله يبتعد عن فكرة تبني نص مترجم لأنه بعيد عن ثقافتنا وعن بيئتنا وأحلامنا ومعاناتنا ومستقبلنا وماضينا ولذلك قرر التأليف ليكون ما يقدّمه قريباً من ضمير ووجدان الطفل لدينا.

ديكور وصعوبات مفروضة مقصودة
لعنصر الديكور أهميته الخاصّة في العرض المسرحي، والذي ربما لا ينتبه لصعوبة تحقيقه المتلقي كثيراً بسبب عدم وجود القفزات النوعيّة لدينا في تطور هذه المسألة في سورية فالأمر يعتمد على جهود شخصيّة يبذلها المهتمون في هذا الجانب، وفي مسرحيّة «زهرة الياسمين» يمس كلامنا الأستاذ «محمد وحيد قزق» مصمم ديكور وإكسسوارات المسرحيّة، والذي يحمل تجربته الغنيّة في هذا المجال اجتهاداً منه، والذي قال لنا: «هذا هو العمل الثامن ضمن تجربتي في مجال الديكور والإكسسوار، وعمل الأطفال بالتحديد يتطلب اهتماماً كبيراً ودقة في التعامل، ولكن استنفرنا جميعاً منذ عطلة عيد الفطر لنقدم عملاً متكاملاً، وقد حضر معاون السيد الوزير «بسام غنّام» أكثر من مرّة ليلاحظ الجهود التي قُدّمت والتعب للوصول لنتيجة مرضية». وعن صعوبات واجهت العاملين في هذه المسرحيّة وضغوطات تحمل تكراراً وإهمالاً يضيف «محمد وحيد قزق»: «كان هناك إهمال مقصود من مديرية المسارح والموسيقا لعملنا، فهل من المعقول أن يكون هناك عمل مسرحي تابع لمديرية المسارح والموسيقا التابعة لوزارة الثقافة السوريّة لا يلقى أدنى اهتمام من هذه الإدارة! وهل من المعقول أن يجهز ديكور العرض من النجارين قبل بساعتين من العرض الأوّل، ولدينا معالجة فنيّة بعد تركيب الخشب كإلباس الخشب أقمشة وغير ذلك، بالتالي هناك ضغط وسرعة من قبلنا للعمل حتى يظهر بصورة لائقة، ولا تضيع جهود القائمين على العمل سدى، لكن نكتشف فيما بعد بأن الأخشاب المطلوبة والمخصصة لعرضنا «زهرة الياسمين» كانت تخرج من مديريّة المسارح والموسيقا إلى مسرح الحمراء لأن هناك عرضاً يتمّ التحضير له! كلّ ذلك لا يندرج إلا تحت اسم المحسوبيّات». ولدى دخولنا في تفاصيل العمل مع «محمد وحيد قزق» أخبرنا بالمنع الصريح والمباشر الذي تعرض له في عدم معالجة الجدران السوداء والتي هي امتداد للفضاء السينوغرافي، وهي المادّة الأساسية التي يجب أن تسيطر على أجواء هذا النوع من الأعمال، وطبعاً المنع من إدارة مديرية المسارح نفسها!

تفوق جهد الفرد على المؤسسة
وعن صعوبة التعاطي مع هذا الجانب وسعي العاملين في المسرح – قسم منهم وليس الجميع طبعاً – يضيف الأستاذ «محمد وحيد قزق»: «المسرح مشروع إفقار للعاملين الشرفاء فيه، فليس من المعقول الاعتماد على ورشات خاصّة لإنجاح عمل مكلفة به مديريّة المسارح والموسيقا، بالتالي المؤسسة تتكل على جهود الفرد لإنجاح عمل هو من واجباتها الأساسية فالمطلوب منها أن تقدّم وتبذل لعروضها، وفي الحقيقة لديها المقدرة. لكن ما وصلنا إليه اليوم أننا نُحارب بلقمة عيشنا وبالتالي نسعى لورشاتنا الخاصّة كي ننجح أعمالنا ونتابع حياتنا».

شتان بين الياسمين والنيلوفر
حوادث كثيرة حصلت لتجافي عرض «زهرة الياسمين» ونذكر منها، عدم تزويد العرض بمعدات لازمة كأغصان أشجار الغابة التي عاش فيها أبطال المسرحيّة مغامراتهم، ما اضطر طاقم عمل المسرحيّة إلى الاعتداء على أشجار الطريق وقطع مجموعة من الأغصان قبل بداية العرض الأول بنصف ساعة! وأيضاً من النقاط البارزة التي يمكن التنويه إليها هو عدم تكليف مديرية المسارح حضور العرض أو ما نسميه الافتتاح الرسمي للعرض لا في اليوم الأول ولا قبله أو بعده! لكن ما يثير الاهتمام أكثر هو أن عنوان المسرحية ومضمونها له علاقة بدمشق ورمزها من خلال نبتة الياسمين التي طالما تغنينا بها، ولكن في البروشور التي تصنعه المديريّة لا يهمها هذا الأمر على ما يبدو!؟ فقد تم وضع صورة عالمية لفنانة تشكيلية فرنسيّة لا قرابة بينها وبين العرض بل هي ترمز لزهرة النيلوفر الخاصّة بتلك البلاد لتضيع صبغة الياسمين التي كانت شديدة الوضوح بين العنوان والرقصات والحوار للأسف، هذا ولن نتطرق للأخطاء المزعجة التي وردت في الكتابة ضمن بروشور العرض!، والذي يمثل بوابة العبور الأولى بين المتلقي والعرض في عالم المسرح.

تصرفات غير مسوّغة
مساعد المخرج «محمد المودي» ومصمم الرقص حدّثنا عن بعض الصعوبات التي رافقت العمل فقال: «على الرغم من صفتي كمصمم للرقصات منعت من وضعها بالتوازي مع صفة مساعد المخرج وتمّ استقدام الأستاذ «سامر الزيّات» لتصميم الرقصات، وهو مشكور جداً على تعاونه معنا فقد وصلنا معاً لتقديم لوحات جميلة جداً. وهناك صعوبات كثيرة لم استوعب أسبابها حتى اليوم فليس من المعقول أن نُحرم طوال وقت التدريب من الدعم من مديرية المسارح إلى قبل بداية العرض بلحظات، ليتمّ عرض المساعدة علينا منهم، بمعنى كل ما تودونه متاح! فماذا سيكون ردنا هنا لا أعلم».!
تجربة أولى

بعيداً عن الصعوبات والمشاكل التي واجهت عرض زهرة الياسين» التقينا بطلة العرض «ديالا داوود» التي عرفتنا عن نفسها لأنها التجربة الأولى لها في مجال التمثيل: «أنا طالبة في كليّة الهندسة الزراعية، في السنة الثانية، وهذه تجربتي الأولى التي عرضها عليّ المخرج «وليد الدبس»، وهذه التجربة كانت تحدّيّاً على الصعيد الشخصي، فقد كسرت حواجز لها علاقة بالخجل، وشعرت بالسعادة بسبب ردّة فعل الأطفال فهم صريحون وصادقون. ومشاركتي هذه قد تدفعني لمشاركات أخرى، ولكن الأمر يعتمد على الوقت ووفرته بما لا يتعارض مع دراستي».
تميّز سيدة الأشواك

من بين الشخصيّات التي أثرت في الأطفال وفي الحضور شخصيّة «سيدة الأشواك» التي جسدها الفنان «زهير بقاعي» الذي يقول حول هذه الشخصيّة وكيفيّة إغنائها وإنجاحها: «أن يأخذ شاب دور ساحرة هذا سيزيد من الفرق الجمالي بين الساحرة وزهرة الياسمين، إذ إن العرض يقوم هنا على دور المنافسة بينهما، والمطلوب هنا أن يأخذ الطفل موقفاً منها، وألا يخاف منها، وهذا ما تعمدته بأن تخدم الشخصيّة العمل ويحبها الأطفال، وأن يبقوا على حذرهم منها، وهذا ما لاحظته في ردات فعلهم، والشخصية فيها لمسة من الطرافة، وقد عملت اعتماداً على ذكاء الطفل وعدم تقديم الشخصية بصورة تقليديّة، والتي ستوصلنا لصورة جافة، وعموماً في الفنّ نسعى لتقديم حتى الصورة القبيحة برؤية فنيّة جماليّة حتى لا نصل لنتيجة النفور من المتلقي، وخاصّة الطفل الذي يجب أن نكسب رؤيته، وموقفه، وانفعاله، وتصفيقه. عموماً شخصيّة سيدة الأشواك ممتعة في حركاتها، وصوتها، وتذهب لإدهاش الطفل».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن