اقتصاد

إلى أعضاء مجلس الشعب: البنية التحتية خط أحمر

د. منير الحمش : 

نشرت صحيفة «الوطن» في عددها الصادر يوم الأربعاء 5/8/2015 خبراً حول أعمال مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية، وكان من الأعمال التي أنجزها المجلس إقرار مشروع (قانون التشاركية) بين القطاعين العام والخاص، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال إصداره. بمعنى أن مشروع القانون سيحال إلى مجلسكم لاستكمال إصداره.
أود أن أسجل أولاً موقفاً أرجو أن يكون مفهوماً، وهو أننا لسنا ضد المشاركة بين القطاعين العام والخاص لا بل إن هذه المشاركة مطلوبة قبل الأحداث الكارثية، وهي اليوم مطلوبة أكثر، سواء في هذه المرحلة أم في المرحلة القادمة التي نرجو أن تكون قريبة، وهي مرحلة إعادة البناء واستعادة العافية للاقتصاد السوري ثم الانطلاق.
لكن مشاركة القطاعين في النشاطات الاقتصادية المختلفة شيء والتشاركية في مشروعات البنية التحتية شيء آخر تماماً.
البنية التحتية ونعني بها مشاريع الطرق والمرافئ والموانئ والمطارات ومشاريع الطاقة والاتصالات، ويضاف إليها مشروعات المرافق العامة كالمياه والصرف الصحي.
وهذه المشاريع تعتبر عنواناً رئيسياً من عناوين الاستقلال الاقتصادي، وهي معقل اقتصادي على مساس مباشر بالأمن القومي. ونظراً لهذه المكانة التي تحتلها مشروعات البنية التحتية، كان الحرص على أن تبقى بيد الدولة في جميع مراحلها.
وهنا أود أن أقدم بعض الشواهد:
الشاهد الأول: هو من التجربة السورية، فعندما صدرت العقوبات الاقتصادية وبدأ الحصار الاقتصادي، امتثلت شركات النفط الأجنبية (التي كانت ترتبط مع وزارة النفط بعلاقة تشاركية) لهذه العقوبات وانسحبت من أراضي الجمهورية دونما أي اعتبار للعقد التشاركي أو للالتزام الذي يربطها بالشركة العامة للنفط. وكانت النتيجة إرباكاً في الإنتاج وتدنياً في الكميات المنتجة من النفط الخام. كما أن انسحابها من الحضور في مناطق الإنتاج سهل للعصابات الإرهابية الاستيلاء على الآبار النفطية والعبث بالإنتاج، ما أوقع البلاد في ضائقة شديدة نتيجة توقف الإنتاج النفطي والاستيلاء عليه.
الشاهد الثاني: رغم التحذيرات التي صدرت حول استخدام الأسلوب التشاركي في الموانئ، فقد تم التعاقد بهذا الأسلوب في مرفأ الحاويات في كل من طرطوس واللاذقية، وقد تبين بالتجربة العملية أن هذين العقدين مشوبان وتدور حولهما الأقاويل، ثم انتهيا بطريقة ملتبسة، أعتقد أن الجهات الرقابية قامت بالتحقيق فيهما.
الشاهد الثالث: منذ سنوات قامت إدارة مرفأ نيويورك بالإعلان عن مناقصة عالمية لإدارة المرفأ، وقد رسا العطاء على شركة إماراتية، لكن الكونغرس الأميركي اجتمع وقرر إلغاء العقد وكانت الحجة، أن قيام شركة عربية بإدارة المرفأ له مساس بالأمن القومي الأميركي.
الشاهد الرابع: وهنا أصل إلى النقطة الحاسمة، وذلك أن انتزاع مشروعات البنية التحتية من يد الدولة هو من بين مجموعة من السياسات والإجراءات التي تقع في إطار التحول نحو اقتصاد السوق وفقاً لبرنامج (وفاق واشنطن) أي إن هذا ما يسعى إليه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فالبنية التحتية هي عماد قوة الاقتصاد الوطني. ولهذا لا بد من تحويلها إلى إدارة القطاع الخاص. وهو من أهداف التحول نحو اقتصاد السوق.
ولكي يكون الأمر واضحاً، وليس فيه تجن على الحكومة الحالية، أو السابقة، أورد ما نشرته مجلة نيوزويك الأميركية في طبعتها العربية بتاريخ 15/5/ 2007
وهو مقال بقلم (ستيفن غلين) حول التحولات الحاصلة في (الشرق الأوسط) على الصعيد الاقتصادي، وكان عنوان المقال (على صورة أميركا) ويركز الكاتب على أن التحولات الجارية على الصعيد الاقتصادي تجري باتجاه (صيغة اتفاق أو إجماع واشنطن) تلك الصيغة الداعية إلى التحول نحو اقتصاد السوق التي (تهلل) للتجارة الحرة والضرائب المنخفضة والخصخصة كطريق لنجاح اقتصادي ويقول الكاتب: إنه على الرغم من أن علاقات دمشق مع واشنطن متوترة، لكن ليس لديها أي خلاف مع إجماع واشنطن، ومن هذا المنطلق يرى أن سورية قد فتحت اقتصادها (الذي كان مغلقاً على مصراعيه بفخر ليبرالي جديد) ويقول الكاتب الأميركي: إن هذا التحول يجري، على الرغم مما يلقاه البرنامج الليبرالي الاقتصادي الجديد من أوقات عصيبة. فلم تتحول روسيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا عنه فحسب، بل إن الولايات المتحدة أخذت تزيد من النفقات العامة وتقلص التجارة الحرة في وقت تتوسع فيه سيطرة العقلية الحمائية دولياً.
ويقول الكاتب نقلاً عن مدير البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (جوزيف سابا): إن وقت هذا الأخير منشغل بالكامل مشيراً إلى أن عدداً من المسؤولين الكبار التواقين لتحديث الاقتصاد وإصلاحه في سورية يسعون إلى الحصول على أفضل النصائح من أجل إصلاح اقتصادهم، ويؤكد هنا مسؤول البنك الدولي أنه أعد مشروعاً لقانون التشاركية ولقانون ضريبة القيمة المضافة.
وعلى سبيل التذكير فإن برنامج (وفاق واشنطن) يدور حول ثلاثة أمور أساسية:
1- الاعتماد على حرية السوق في المعاملات الداخلية والخارجية، ويتضمن هذا الأمر تحرير التجارة والانفتاح على الاستثمار الأجنبي، وتسهيل دخوله وخروجه (أي حرية التجارة وحرية حركة الأموال).
2- اعتبار القطاع الخاص ركيزة التنمية وبشتى السبل ويشمل القطاع الخاص المحلي والجانبي ويتضمن هذا الأمر الخصخصة، بما في ذلك خصخصة المرافق العامة والبنية التحتية من أهمها.
3- إحداث تخفيض ملموس في دور الدولة، وصولاً إلى ما يدعى (حكومة الحد الأدنى) وهذه الأمور الأساسية الثلاثة تعني باختصار: سوقاً حرة، اقتصاداً مفتوحاً، حكومة صغيرة.
واستكمالاً لنهج (وفاق واشنطن) فإن دعاة الليبرالية الاقتصادية الجديدة وممثليها المحليين، يدعون إلى الالتحاق بالاقتصاد العالمي والاندماج في العولمة.
وتأتي التشاركية في إقامة وإدارة مشروعات البنية التحتية، لتضع هذه المشروعات في خدمة المشروع الاقتصادي الليبرالي المرتبط بالرأسمالية العالمية، فتقضي على آخر معاقل الاقتصاد الوطني المستقل.
وللتذكير أيضاً:
كان من أوائل قرارات حكومة الاستقلال بعد جلاء الجيوش الأجنبية من سورية أواسط أربعينيات القرن العشرين، تأميم شركات الكهرباء والترماي التي كانت برأسمال أجنبي.
إن الهدف النهائي لهذا البرنامج إضعاف الحكومة ثم إضعاف الدولة لتصبح أكثر قابلية لقبول ما يعرض عليها من الخارج.
السادة أعضاء مجلس الشعب المحترمين:
نرجو منكم التصدي لمشروع إضعاف الاقتصاد الوطني والاستيلاء على آخر معاقل الاقتصاد الوطني، تشاركوا مع القطاع الخاص في جميع الأنشطة الاقتصادية وقدموا له ما استطعتم من دعم وتشجيع لكن مشروعات البنية التحتية خط أحمر فلا تمسوه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن