قضايا وآراء

قمة «صفقة القرن»

| عبد المنعم علي عيسى

شاخت جامعة الدول العربية وقد بلغت من العمر عتيا، لكنها كما يبدو لا تزال تنتظر أن يأتيها من يبشرها بغلام وليكن اسمه ما يكون، تقول تقارير الوكالات الإخبارية: إنه تم اختيار مكان انعقاد القمة العربية الـ29 في مركز «إثراء» في مدينة الظهران خوفاً من استهداف الحوثيين لها بصواريخهم البالستية ولذا فقد جاءت قمة إدانة للحوثيين قبل أي شيء آخر، أما التفتيش على اكتمال التحضيرات فقد أسندت مهمته إلى أمين عام الجامعة احمد أبو الغيط في مؤشر يحدد أين تبدأ مهامه وأين تنتهي.
عندما تأسست جامعة الدول العربية في عام 1945، وسواء أكان تأسيسها قد حدث بفعل عوامل داخلية أم بدفع خارجي، فان الفكرة كانت تقوم أساساً على إنشاء نظام أمني عربي على أن تلحق به تمددات سياسية واقتصادية وثقافية، إلا أن ذلك الكيان عجز على امتداد عقوده السبعة في تحقيق أدنى حالة من حالات التعاضد ولا نقول التضامن أو وحدة المواقف، كان ذلك بفعل عامل أساسي هو أن كل دولة من الدول كانت قد تبنت نمطا يناسبها من العلاقات وعبره خرجت إلى العلن بالمظهر الذي تحدد عبر هذا السياق السابق، والملاحظ هو أن ذلك التمظهر كان متناقضاً بدرجات متفاوتة بين «عضوات» الجامعة العربية، وهو أمر يتماشى مع اختلاف الرؤى والمصالح التي يتبناها الخارج الداعم لكل منها على حدة، الأمر الذي يفسر خرق أغلبية العضوات لقرارات القمة وقبل أن يجف حبرها كما يقال، إضافة إلى ازدواجية سياسية فاقعة كانت تتبعها مراكز الثقل فيها خصوصاً، فدعوة الملك سلمان إلى المحافظة على الأمن القومي العربي وإلى تعزيز العمل العربي المشترك لا تتناقض مع تأييد العدوان الذي تعرضت له سورية في اليوم الذي سبق القمة تماماً وهو ما فعله العاهل السعودي بقوة في الوقت الذي كانت تخرج فيه المظاهرات في أغلبية دول أميركا اللاتينية وبعض الدول الأوربية مثل اليونان وبدرجة أقل في فرنسا نفسها.
مارست الرياض على امتداد علاقاتها العربية خداعاً صارخاً طال حتى أكثر القرارات مصيرية وأهمية، فقد كشفت الوثائق مثلاً أن القرار الذي اتخذه الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز بحظر جزئي للنفط بهدف دعم المجهود العربي الحربي إبان حرب تشرين 1973 كما أعلن، أن السبب الأساسي الذي دعا إليه لم يكن هو نفسه المعلن، فقرار حظر النفط جزئياً كان يهدف إلى رفع أسعاره، وهو ما أرادته واشنطن في سياق قرارها بإنهاء مشروع مارشال لدعم وإعمار أوروبا في أعقاب وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها في عام 1945، بعد أن شكلت الاقتصاديات الأوروبية منافساً قوياً للاقتصاد الأميركي انطلاقاً من الدعم الأميركي الذي ضمن لها الحصول على طاقة رخيصة، كما كشف جاك اكنل الذي قضى أربعين عاماً بالقرب من ملك الأردن الراحل حسين بن طلال في كتابة «كاتم أسرار الملك» الصادر في عام 2011 أن المبادرة التي تقدم بها ولي العهد السعودي، آنذاك، عبد اللـه بن عبد العزيز لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي والتي اعتمدتها قمة بيروت 2002 تحت عنوان مبادرة السلام العربية، أن تلك المبادرة كانت من بنات أفكار الصحفي الأميركي الصهيوني توماس فريدمان ثم جرى تنقيحها في «إيباك»، الذراع الإسرائيلي الأمضى للتأثير في السياسات الأميركية، أما رفض تل أبيب لها فهو لم يكن اعتراضاً على ما جاء فيها وإنما كان يمثل رفضاً إسرائيلياً للدور السعودي الإقليمي المتضخم فيما إذا ما تم اعتماد تلك المبادرة، والرفض الإسرائيلي هنا على إعطاء الرياض ذلك الثقل نابع من أن هناك الكثير مما يجب عليها أن تفعله، وهو ما أدركته هذي الأخيرة فكانت استراتيجياتها على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية تنحصر في إنجاز الأعمال الموكلة إليها، واليوم وصلت هذي الأخيرة ذروتها بتأبط السعودية لـ«صفقة القرن» لتمريرها في النسيج العربي الذي أضحى «لبنيا» بدرجة لا تستدعي استخدام أدوات حادة في التعامل معه، والأولى كان أن يطلق على تلك القمة اسم قمة «صفقة القرن» لا قمة القدس التي أراد الملك سلمان إلصاقه بها.
ثم ماذا بعد؟ يروي الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل أنه في أتون التحضيرات الجارية لعقد قمة الرباط 1966 جرى عقد اجتماع أمني فرنسي مغربي في باريس ولم يلبث أن انضم إليه وفد من الموساد بزعامة رئيسه، وفي ذلك اللقاء طلب هذا الأخير من نظيرة المغربي الحصول على أشرطة تسجيل تلفزيونية لجلسات القمة ولكلمات الرؤساء والملوك العرب فيها، الأمر الذي شكل مفاجأة من العيار الثقيل لرئيس الوفد المغربي فما لزوم الأشرطة التلفزيونية إذا ما كانت محاضر الجلسات والكلمات تصل إلى تل أبيب أولاً باول؟ وفي حينها رد رئيس الموساد بان رؤية الوجوه وكذا حركات الجسد لشخص يتحدث تشي بالكثير مما لا تقدمه السطور الجامدة! والمهم هو أن القمة السابقة الذكر لم تنطلق إلا وكانت مؤسسة إعلامية كبرى قد تأسست في المغرب بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني وقد أطلق عليها اسم «أطلس»، وهي التي تكفلت إجابة تل أبيب إلى ما طلبته، واستمرت «أطلس» لعقود في عملها قبل أن يقوم الملك المغربي بفرط عقدها بعدما انتفت الحاجة إليها في أعقاب أوسلو ووادي عربة وانحصار المواجهة بين دمشق وتل أبيب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن