قضايا وآراء

قضايا واشنطن في سورية

| مازن بلال

تعزز الحروب بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصورات «هيكلة» النظام الدولي، فالحلفاء ضمن النظام الذي يتصوره لن يتغيروا لكن مواقعهم ووظائفهم يمكن أن تتبدل باستمرار، فالمسألة التي تبدو ضمن زاوية واشنطن على أنها «صفقات» فقط، تنعكس عملياً على أساليب إدارة الأزمات بشكل عام، وعندما يسعى ترامب لإحلال قوات عربية في شرقي الفرات، فهو بالتأكيد لا يعني إنهاء النفوذ الأميركي في سورية، أو حتى إلغاء وجود قواته؛ بل يفتح احتمالات جديدة في الصراع الدائر منذ ثماني سنوات.
البحث الأميركي عن تحالف عربي لشرقي الفرات هو مفهوم مختلف لأشكال التوازنات الإقليمية، وينسجم عملياً مع التفكير الأميركي في إعادة رسم الصراعات في العالم لتتمحور حولها الأقاليم سواء في الشرق الأوسط أم غيرها من المناطق، ولا تعود هذه السياسة لإدارة ترامب فقط، فعملية تفكيك المنظومات السياسية بدأت مسبقاً سواء ضمن الجامعة العربية أم مجلس التعاون الخليجي، أو المنظومات المستحدثة مثل «البركس»، ولكن في سورية يبدو النموذج أكثر وضوحاً على الأخص مع جهد روسيا لبناء «أمن إقليمي» مختلف، فإحلال قوات عربية لا يعقد مهمة موسكو فقط إنما يخلق مواجهة مختلفة في المنطقة عموماً.
عمليا فإن أي دخول عربي لمنطقة شرقي الفرات، وبغض النظر عن الوظائف العسكرية لهذه القوات، سيعيد بناء العلاقات الإقليمية من جديد، فالمسألة هنا هي خلق تماس إقليمي مباشر بين المهمة الروسية الإيرانية التركية المشتركة والسعودية أو مصر أو غيرها من الدول الإقليمية، ويمكن رؤية هذه العلاقات وفق مسارين أساسيين:
أولا – علاقات روسيا مع دول المنطقة عموماً: فالتحالف العربي لن يكون مسؤولاً عن «سد الفراغ» في حال انسحاب القوات الأميركية، بل سيشكل أيضاً جبهة على مستوى الوجود الروسي في سورية عموماً.
تؤسس الولايات المتحدة في حال نجاحها في إيجاد تحالف عربي داخل سورية لشكل جديد للمنطقة، فهي تضع أمام موسكو خياراً صعباً لاستكمال محورها مع كل من طهران وأنقرة، كما أنها تخلق توتراً إضافياً في عمق المنطقة التي تريدها روسيا كحزام أمني لها لمنع الإرهاب من الوصول إلى حدودها، فالوجود العسكري العربي وهو إسلامي بالضرورة، سيحرج «الدول الضامنة» عموماً، وموسكو على وجه التحديد، وسيجعلها في مواجهة مع منظومة سياسية مضطربة أساساً.
ثانيا – وظيفة الدور الروسي في النظام العالمي القادم: فواشنطن تغلق الأبواب أمام موسكو عبر المواجهة في سورية، وتحاول وضعها كطرف في الصراع يبعدها بشكل أو بآخر عن موقعها الأساسي كقطب دولي جديد.
ضمن التحالفات الدولية اليوم يصعب إيجاد صيغة واسعة تشبه «حلف شمال الأطلسي»، حيث شكل هذا الحلف «تجمع الأقوياء» رغم عدم وجود وظائف واضحة لهذا التحالف، على حين تتجه روسيا لتعزيز دورها العالمي لأشكال أخرى يمكن وصفها بـ«الدوائر الإقليمية»، وإذا استثنينا علاقتها مع الصين فإن محاولات موسكو هي إنتاج تحالفات لا تزال غير واضحة، رغم أنها تستند إلى منافسة محددة متعلقة بأوراسيا تحديداً، وهذا التوجه سيصطدم بالتأكيد بالحالة التي تريدها الولايات المتحدة لشرقي الفرات، لأنه من هذه المنطقة تريد واشنطن توليد أزمة إضافية لا تتعلق بـ«الأكراد» بل أيضاً بكل أشكال التداخل الموجود في تلك المنطقة.
الحلف العربي القادم إلى سورية وفق التصور الأميركي هو مهمة معقدة بالتأكيد، لكنه بالنسبة لواشنطن سيشكل نقطة استناد في رسمها للشرق الأوسط وربما لمناطق أخرى في العالم أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن