الأولى

السعودية: محاولات تعويض الخسارة

بيروت – محمد عبيد : 

أظهرت الفترة التي سبقت توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة 5 +1 الدولية أن المملكة العربية السعودية والكيان الإسرائيلي يتقاطعان ويعملان معاً بصورة مباشرة أو غير مباشرة على تعطيل إمكانية عقد هذا الاتفاق لما لذلك من تداعيات على كل منهما.
فالكيان الإسرائيلي يعتبر أن المشروع النووي الإيراني خطر يهدد وجوده ومستقبله مهما كانت الضمانات المترتبة على قوننته دولياً أو حصاره والحد من توسعه عسكرياً، ذلك أنه يوفر لإيران امتلاك المعرفة والآليات الكاملة لتحويل هذه التكنولوجيا المدنية إلى أخرى عسكرية في حال اقتضى الأمر. إضافة إلى أنه يمنح إيران وحلفاءها في محور المقاومة – «الشر» سابقاً – قوة معنوية وقانونية وسياسية واقتصادية إقليمية وازنة تدفع كيان العدو إلى البحث مجدداً عن مقومات البقاء والمواجهة بعدما ظن قادته أنهم تجاوزوا التهديد الوجودي بعد إخراج مصر – السادات من معادلة المواجهة وتباعاً منظمة التحرير الفلسطينية والأردن، ناهيك عن مد جسور العلاقة والصداقة مع معظم أنظمة دول الخليج فلم يتبق في الميدان سوى سورية وبعض قوى المقاومة.
وقد هدد رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبيل توقيع هذا الاتفاق ومن خلال مراسلاته الساخنة مع إدارة أوباما بقرع طبول الحرب ضد حزب اللـه في لبنان بهدف خلط أوراق المنطقة عبر توريط سورية وإيران فيها لكن آذان الإدارة كانت صماء، فانتقل إلى الهجوم المباشر على الإدارة نفسها في مواقع القرار الأميركي وفشل ولم يعد أمامه سوى انتظار الاحتمال الضعيف لرفض الكونغرس للاتفاق النووي مع ما يرافق ذلك من آليات تميل لمصلحة التصديق عليه وتبنيه.
وإذا كان هذا حال الحليف فكيف يكون حال التابع! فالسعودية التي لاتمتلك لوبياً ضاغطاً على مفاصل صناعة القرار الأميركي ولا «مراكز تفكير» تؤثر في الصحافة ووسائل الإعلام الأميركية حتى الأرصدة المالية السعودية معطلة كعادتها دائماً، لم تجد أمامها سوى السعي إلى حفر موقع لها في المعادلة الإقليمية من خلال الإيغال بالدم السوري والعراقي واليمني والبحريني واللبناني.. راهن قادة السعودية على إمكانية تعقيد الواقع السياسي الإقليمي من خلال استباق الاتفاق بعدوان عنيف على اليمن يهدف إلى جر إيران إلى مواجهة مباشرة تستدرج الموقف الدولي والأميركي خصوصاً للعودة إلى حالة العداء مع إيران وتجميد التفاوض معها، لكنهم لم يفلحوا فأخذوا يبحثون عن ضمانات أميركية ولو شكلية تعيد لهم الاعتبار السياسي.
بات من الواضح أن السعودية وصلت إلى حائط مسدود لجهة التأثير في مسار الاتفاق النووي ما يعني أنها ستلجأ إلى لملمة أوراقها الإقليمية المتناثرة بل ستمعن في تأجيج ساحات كان قد تم تحييدها مثل الساحة اللبنانية، وما المحاولات التي تهدف إلى كسر العماد ميشال عون وتياره وصولاً إلى عزل حزب اللـه سوى البداية. وبموازاة ذلك لن تتوقف السعودية عن دعم الإرهابيين في سورية ولا عن مطالبة موسكو وطهران القبول بإزاحة الرئيس بشار الأسد كشرط أول وأخير للمضي في تسوية إقليمية تبدأ من دمشق وتمر بصنعاء وعواصم عربية أخرى متوترة.
السعودية التي اعتادت شراء تحالفاتها الدولية وأدوارها الإقليمية، تريد اليوم تعويض خسارتها الإستراتيجية في الملف الإيراني واستتباعاً الملفات الأخرى المرتبطة بمحور المقاومة، بأرباح موضعية كجوائز ترضية تعيدها إلى المشهد الإقليمي المفتوح على توازنات جديدة.. فهل من راغب بمنحها هذه الجوائز؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن