ثقافة وفن

ضحايا الزواج العرفي … الأطفال.. على من تقع مسؤوليتهم؟

| هبة الله الغلاييني

البداية غرام، والنهاية انتقام، بينما الضحية طفل بريء يتعرف إلى أمه ولا يعرف لمن يقول كلمة (بابا). هو لا يدرك معنى أن أمه تزوجت عرفيا أو سريا، بورقة أو بلا ورقة. فالسر بين الطرفين لا ثالث لهما، سيدفع ثمنه هو مدى الحياة، بسبب علاقة قد تكون عابرة، أم وأب وطفل، ليسوا زوجة وزوجاً وابناً.
هي مسألة شخصية في ظاهرها، لكنها أيضا، قضية مجتمعية وأخلاقية وقانونية في جوهرها، وربما تتحول إلى قضية رأي عام إذا كان أبطالها من المشاهير أو النجوم.
فما الأسباب التي تجعل الرجل يرفض الاعتراف بأبوته للطفل؟ وكيف ينظر المجتمع إلى هذا النوع من القضايا؟

إلهام محمد (إعلامية) تحمل الطرفين المسؤولية، لكنها تلقي بالشق الأكبر على الأم، قائلة: (للأسف، إن هذا النوع من القضايا بات منتشرا في مجتمعنا. ولا شك أن في ذلك إساءة كبيرة للمرأة في المقام الأول، لأنها هي التي تهاونت بحق نفسها وطفلها عندما قبلت بأي نوع من الارتباط خارج إطار الزواج الرسمي، ودخلت في علاقة أثمرت طفلا يبدأ حياته بمأساة عدم الاعتراف بنسبه). قيام إلهام بتحميل الأم شقا من المسؤولية لا يعني براءة الرجل، إذ إنها توضح أن الرجل أيضا مسؤول، لأنه دخل هذه العلاقة وأنجب طفلا ثم تهرب من مسؤوليته، وهذه جريمة بحق الطفل الذي سيعيش حياته في معاناة.
من جهتها، تحمل (ريم المهنا)، محاسبة في إحدى الشركات، المجتمع مسؤولية هذا الخلل الذي أصاب شكل العلاقة التي يرتبط فيها الرجل بالمرأة، لافتة إلى (أن هذه القضية، على وجه التحديد، تتحمل المرأة فيها المسؤولية الكبرى لأنها لم تحسن صون نفسها، وارتكبت جريمة بحق طفل يأتي الى الحياة لا يعرف أباه).
وتشير ريم إلى (أن الزواج العرفي وغيره يعتبر من السلوكيات المرفوضة دينيا وقيميا، ولا يعترف به المجتمع ولا تتعامل معه المحاكم بصفته زواجا شرعيا، لأن الزواج الشرعي يتطلب الإشهار وتوافر العلنية، وهذا ما لا يتوافر في علاقات الزواج السرية).
أما غادة النشاوي وهي حقوقية، فتبين الرؤية الشرعية لهذا النوع من العلاقات، قائلة (إن الزواج العرفي لا يعطي المرأة أي حقوق، وهو غير معترف به في سورية، ومن ثم فإن الزواج العرفي لا ينطبق عليه لفظ الزواج، بل علاقة غير شرعية، والأولى بالفتاة أن تنتظر حتى يأتي إليها من يطلب يدها ويطرق باب أهلها حسب الشرع والأصول).
نقترب من واقع الأطفال، ثمرة هذه الزيجات الشاذة، حين ينكر الرجل أبوته لطفل تدعي أمه أنه ابنه. فكيف يمكن تحليل سلوك كل من الأب والأم من ناحية نفسية؟
يؤكد الدكتور نادر ياغي (متخصص نفسي) أنه من ناحية الأب، هناك وجهان محتملان، أحدهما أن العلاقة مبنية على الحب، وفي هذه الحالة، من المحتمل أن يعترف بنسب الطفل، لأن علاقته بالفتاة مبنية على الحب، وهذا هو الدافع لاعترافه. أما في حال العلاقة المبنية على الشهوة، فمن الصعب جدا أن يعترف الرجل بنسب الطفل، لا بل إنه سيفعل ما بوسعه لكي يتبرأ منه، لأنه يعتبر الأم التي أنجبته لا تستحق أن تكون أماً لأبنائه، لأنها فرطت بنفسها بسهولة. ويتابع مؤكدا «أن الأب لا يشعر بتأنيب الضمير، لأنه لم يخدع الفتاة ولم يتفق معها على الإنجاب».
ويضيف: «إن هذه النوعية من الرجال تعاني داء الشك، وعدم الثقة بالطرف الآخر، ويستدعي ما هو مخزون لديه في اللاوعي، حتى يؤكد أن هذه المرأة أقامت علاقات مع غيره، ولهذا يرفض الاعتراف بهذا الطفل».
وينتقل الدكتور ياغي إلى تفسير موقف الأم، موضحا «أنها تعيش في صراع من أجل إثبات نسب طفلها لرجل تدعي أنها تزوجته عرفيا» ويكشف «أن الأم تعيش في صراع كبير لأنها تكذب على نفسها، فهي تعتبر نفسها مظلومة لأنها أنجبت طفلا من رجل أحبته ومنحته نفسها. وفي الوقت ذاته تجد نفسها غير قادرة على إثبات ذلك أمام الناس، وهذا يجعلها تعيش في حالة صراع دائم».
أما عن الطفل الذي يأتي نتيجة هذه العلاقة، فيوضح د. ياغي «أن هذا الطفل سيحتاج إلى علاج سلوكي، ومن الأفضل أن ينتقل للعيش في بيئة أخرى غير البيئة التي ولد فيها. فالناس لا ينسون عادة مثل هذه القضايا والحوادث ولا تتوقف ألسنتهم عن تداولها، ما يؤثر في نفسية الطفل».
ما تأثير عدم اعتراف الرجل بنسب طفله في نفس الطفل؟ سؤال تجيب عنه ولاء الشامي (متخصصة نفسية) فتقول: «بكل أسف، إن هذا الطفل ينتظره مستقبل أسود، فهو سيعاني منذ طفولته وطوال حياته حالة تقدير ذاتي منخفض جدا، كما أنه سيفتقد الثقة بالنفس، ولديه استعداد لإيذاء نفسه بعنف، لأنه يشعر أنه مرفوض من المجتمع. ليس هذا فقط، ذلك أن هذا الطفل سيفتقد أيضا الانتماء إلى أب، فهو يعرف أمه ولكنه يفتقد أباه، أي إنه يفقد الثقة بنفسه وهو صغير، ويفقد الشعور بالانتماء وهو في عمر الشباب، ما يؤدي في النهاية إلى افتقاده الهوية».
أما عن دخول الفتاة في علاقة مع شاب باسم الحب، فهو سلوك تحذر من مغبته قائلة: هذا حب وهمي وليس حقيقيا، ولا يجب عليها تحت أي ظرف من الظروف أن تندفع وراء رغباتها الواهية التي ستؤدي الى هلاكها في النهاية وتؤكد ولاء «أهمية التربية في الحفاظ على الشاب والفتاة معا» وتقول: إذا كانت التربية قائمة على الأخلاق والمبادئ والقيم، ومعرفة الشاب والفتاة الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف، فإننا سنحمي أسرنا ومجتمعاتنا من هذه الظواهر السيئة.
وفي تحليله لموقف القانون من إنكار الرجل نسب طفله يقول المحامي أكرم الشرباتي: «إن القاعدة القانونية تنص على أن الطفل للفراش، ومن ثم، فإنه في حال إنكار الرجل لنسب الطفل، تقوم الأم برفع دعوى إثبات نسب مدعمة بالإثباتات والشهود ، وهذا ما تنص عليه قوانين الأحوال الشخصية، حيث تطلب المحكمة إجراء تحليل الحمض النووي (دي. إن. إيه) للطفل والأب وفي حالة توافق العينات يصدر الحكم بإثبات النسب».
ويعقب مضيفا «إنه في حالة رفض الأب إجراء مثل هذا النوع من التحاليل ، فلا يوجد نص قانوني يجبره على ذلك، وإنما تستطيع المحكمة الحكم بإثبات النسب إذا توافرت لديها القناعة التامة بذلك، بناء على ملابسات ترتبط بكل حالة على حدة. وفي كل الأحوال، فإنه إذا ثبت للنيابة العامة وجود علاقة بين رجل وامرأة لا يربطهما عقد زواج رسمي، تتم إحالتهما على المحكمة المختصة بهتك العرض بالرضا، والتي تصل عقوبتها إلى الحبس».
لذلك نرى من كل هذا أن على الأهل توعية الفتاة والشاب لخطورة هذا الزواج، والتنبيه من عواقبه. وعلى المجتمع أن يسهل الزواج الشرعي ويحث عليه بكل السبل لكي نبني علاقات أسرية ناجحة تدعم المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن