ثقافة وفن

ذئاب في زمن الوداعة..

د. اسكندر لوقا : 

الوداعة صفة محببة لدى الناس كافة، أو هكذا يجب أن تكون في حال غيابها. مع هذا ثمة من يعتقد أن الوداعة ليست دائماً لمصلحة أصحابها وحجتهم في ذلك أنها غالبا ما تستدعي تخليهم عن حقوقهم بدافع من الغيرية، وبالتالي سوف يعرضون أنفسهم لتبعات التنكر وقد يصل بهم الأمر إلى حدّ تلقي الطعنات من الخلف.
قد يكون مثل هذا الرأي صائبا في بيئة لا تحترم معادلة الغيرية في سياق التعامل مع الآخر، وبالتالي لا تقدّر الوداعة كسلوك اجتماعي محبب أو لا تقيم وزنا لها بشكل أو بآخر. وهكذا، مع اختلال العلاقات بين الناس، واختلاط المفاهيم فيما بينهم وخصوصاً مع تغير ظروف الحياة ومتطلبات العيش في ظلها، كما هو حالنا في هذه الأيام التي شهدت وتشاهد سقوط القيم العليا في شرك الأنانية المفرطة، بات الواقع الذي فرض نفسه على الناس هو أن من لا يملك المخالب فقد لا يبرأ جسمه من الأذى.
وبطبيعة الحال لا يملك أحدنا سوى الشعور بالحزن، لا بالأسف فقط، وهو يتتبع أنباء من وقت إلى آخر عن إنسان استغل أو يستغل هذا الظرف أو ذاك لتحقيق مكسب مادي على حساب القيم التي باتت بعيدة المنال عن أيدينا ونحن نعيش مرحلة التصدي لموجات الغدر والاعتداء على قيمنا لا الكائنة على سطح الأرض فحسب بل حتى على قيمنا الأخلاقية التي طالما كنا نتغنى بها، سواء في مجال الأمن والأمان، أو في مجال المصداقية التي كانت تربط أحدنا بالآخر حتى تاريخ شن الحرب على بلدنا من أطراف كشفت الأيام عن وجوههم الكالحة وبينهم العديد من «الأشقاء» العرب قبل أن ينقلبوا إلى «أعداء» العقد الذي ابتدأ في آذار من العام 1911 ومازلنا نعاني من تداعياته.
إن الغيرية في هذا السياق، مطلب ملح في مجال التعامل مع الآخر بعيداً عن تحقيق أي نوع أو قدر من المكاسب المادية التي تتاح لهذا أو ذاك بسبب من الظروف الراهنة واستثمارها لمصلحة الذات. وفي سياق هذه الغيرية لا بد أن تتجلى قيمة الإنسان في ذاته بالدرجة الأولى، قبل أن تتجلى فعلاً ممارساً يمسّ الآخرين على أرض الواقع. ولأن الغيرية هي سلوك ليس من السهل أن يعتاد الإنسان على ممارسته، فإن الصعوبة تزداد حضوراً في مثل هذا الزمن العصيب الذي يُختبر فيه صمود سورية في مواجهة أعدائها الآتين إليها من كل صوب بنفوسهم المعبأة بالحقد والرغبة في القتل والهدم والتهجير وسوى ذلك. ومن هنا صعوبة انتظار الزمن المناسب حتى تنمو مخالبنا – إن صحت الفرضية – قبل أن تستفحل جرائم المعتدين على أبناء شعبنا أكثر فأكثر وبأساليب لم يشهد التاريخ مثيلا لها من قبل.
ترى هل مفيد، هنا تحديدا، أن نستذكر قول الشاعر والكاتب المسرحي العالمي المعروف وليم شكسبير «1564 – 1616»: «الذئب ما كان ليكون ذئبا لو لم نكن ودعاء في الزمن السيئ».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن