ثقافة وفن

المخرج الواثق من نفسه يرى في عمله عبقرية …مارلن خوتسييف: أول فيلم رأيته في حياتي لا يزال الأفضل إلى اليوم

 مها محفوض محمد : 

تعد السينما السوفييتية من أهم السينمات العالمية التي قدمت أسماء كبيرة في الإبداع السينمائي أنتجت أعمالاً مهمة في تاريخ السينما نالت عليها أرفع الجوائز العالمية، وكان مهرجان موسكو في سبعينيات القرن الماضي أحد أهم ثلاثة مهرجانات عالمية غير أنه بعد تفكك الاتحاد السوفييتي والأزمة الاقتصادية التي ضربت روسيا تغيرت الأوضاع بسبب نقص التمويل وتدني قيمة الروبل، لكن بعد مجيء الرئيس بوتين والانتعاش الاقتصادي الذي شهدته روسيا بدأت السينما الروسية تستعيد صناعتها وألقها لتواكب السينما الغربية- أميركية وأوروبية- حيث أنتجت أفلاماً غير قليلة في السنوات الأخيرة كان لها وقعها في المهرجانات العالمية وحصدت جوائز مهمة.
في مهرجان لوكارنو الدولي الذي سيقام في سويسرا بين 5-15 آب الحالي سيتم تكريم السينمائي الكلاسيكي السوفييتي مارلن خوتسييف عشية عيد ميلاده التسعين وذلك عبر استعراض أعماله السينمائية وهو المخرج والسيناريست الذي بلغت شهرته أوجها في أعوام الستينيات التي عرفت بأعوام «الانتعاش» وسيتم تكريمه لمساهماته في فن التصوير السينمائي.
خوتسييف الذي دخل ميدان السينما في خمسينيات القرن الماضي وأنتج أفلاماً رائعة جسدت مواهبه واعتبرت من الأعمال السينمائية المهمة في الحياة الثقافية الروسية عرف عنه بأن اتخذ الصدق شعاراً في تصوير المواقف الإنسانية ففي مقابلة له منذ عدة سنوات مع صحيفة روسيسكايا غازيتا ولدى سؤاله عن المزايا التي يجب أن يتمتع بها المخرج يجيب خوتسييف: الثقة المطلقة بما يفعل ثم الشك والوقوف حول الموضوع ذاته وإذا تغلبت إحدى المزيتين على الأخرى فذلك أمر سيئ.
المخرج الواثق من نفسه يتصرف على أن كل ما يقدمه يقترب من العبقرية كما أن التردد والغموض لا يقودان إلى شيء. فالثقة والارتياب خاصتان ضروريتان للمخرج.
تلك هي طريقة خوتسييف التي نجد فيها مفارقة لكنها شكلت مصدر صدق موثوق به ميز الكثير من أفلامه الشهيرة في روسيا كما في دول أخرى مثل فيلمه: «مطر تموز» و«الربيع في شارع زارتيشنايا» وأفلام أخرى.
ولد مارلن خوتسييف في الرابع من تشرين الأول عام 1925 في تيفليس المعروفة حالياً باسم تيبليسي عاصمة جورجيا والده كان شيوعياً قبيل ثورة اكتوبر وقد تم توقيفه عام 1937 بتهمة مناهضته للثورة وبعد سنوات طويلة جسد خوتسييف هذه القصة في أحد أفلامه. بدأ عمله كمخرج مساعد في مدرسة الفن الدرامي عام 1944 لتصبح السينما فيما بعد شغفه طوال حياته يقول:
لقد تأثرت بفيلم «تشاباييف» أول فيلم رأيته في طفولتي وبقي فيلمي المفضل وهو أحد أهم عشرة أفلام من السينما السوفييتية أخذ عن رواية الكاتب ديمتري فورمانوف التي تمجد النضال البلشفي وتجسد صورة المناضلين بشخصية تشاباييف.
في عام 1945 دخل خوتسييف إلى المعهد الوطني للسينما «فغيغ» في موسكو أفضل معهد سينمائي في العالم وكانت بداياته في إخراج فيلم قصير «غرادو ستروانلي» عام 1950 ثم فيلم «الربيع في شارع زارتيشنايا» عام 1956 أخرجه في استوديو اوديسا وكان الفيلم الذي فتح له أبواب الشهرة قدم من خلاله صورة لجيل ما بعد الحرب في همومه وأحلامه وقصص حب أولى مع أدوار غنائية غاية في الرقة لاقت اهتماماً كبيراً من النقاد وإعجاباً من المشاهدين سجل لذلك الفيلم أكثر من ثلاثين مليون دخول إلى السينما.
تلاه فيلم «فيدور» الذي أدى فيه دور البطولة الممثل السوفييتي الشهير فاسيلي شوكشين في شخصية الجندي العائد من ساحة المعركة ليبدأ حياة جديدة.
بعده أخرج فيلم «باب إيليتش» الذي يعكس واقع أجواء حقبة الآمال الكبرى لكن الفيلم لم يخرج إلى الشاشات إلا في عام 1965 وتحت عنوان «أنا في العشرين من عمري» قام بدور بطولته ستانيسلاف لوبشين الذي أدى دور يوهان فايس عنصر الاستخبارات العسكرية في الجيش الألماني إبان الحرب العالمية الثانية في فيلم «الدرع والسيف» ويحكى أن الرئيس فلاديمير بوتين تأثر يومها بمشاهدته للفيلم وعلى إثرها التحق بالعمل الاستخباراتي، وقد حاز فيلم «أنا في العشرين من عمري» جوائز سوفييتية وعالمية مهمة.
يقول خوتسييف: وفي تلك الفترة قدم إلى موسكو المخرج الإيطالي العظيم فيديريكو فيلليني ليعرض تحفته السينمائية الشهيرة «ثمانية ونصف» في مهرجان موسكو فطلب لقائي بعد مشاهدته الفيلم قائلاً: «إن روح العمل في الفيلم وطريقة تفكيره تشبهني بطريقة مدهشة».
ويعلق خوتسييف على ذلك: أتعلمون عندما نذهب إلى بلد لا نعرفه يتشكل لدينا خوف من عدم تشاطر الأفكار وعدم فهم دوافعنا لذلك سررت جداً من تطابق تلك الدوافع مع فيلليني ولم يكن الوحيد في إبداء إعجابه يومذاك لأن الفيلم حاز جائزة مهرجان فيينا.
ولا تعتبر أفلام خوتسييف من الأفلام الطويلة لكن كل عمل من أعماله تحفة لها أهميتها يميزها بالصدق الكامن داخل الإنسان ويقينه بمستقبل سعيد.
ويؤكد المخرج ذلك بقوله: أولاً أنا ضد كل إنسان وكل عمل خسيس والحياة ليست من لون واحد أبداً، ثانياً أعتقد أن الفن يحمل الأمل.
وبعد أن عاد خوتسييف إلى التعليم في معهد فغيغ ودراسة مشاكل السينما في اتحاد المخرجين الروس كان آخر إنتاج له فيلمه «نيفيتشرنايا» الذي يصور فيه لقاءات بين الروائي الكبير ليون تولستوي والكاتب المسرحي أنطون تشيخوف وقد تم ابتكار فكرة الفيلم منذ زمن طويل لكن المشروع لم يلق تمويلاً إلا بعد سنوات ويشير المخرج إلى أنه في فيلمه هذا يكشف عن العالم الداخلي للكاتبين الكبيرين ويجسد مواقفهما تجاه ما يحيط بهما: المجتمع، مسألة الموت، الخلود…
وإضافة إلى أعماله المهمة واستعادة ماضي مارلن خوتسييف في مهرجان لوكارنو هناك أيضاً عرض أعمال وثائقية مخصصة لإخراج فيلم «نيفيتشرنايا» وهي لمدير مركز الصحافة والناقد بيوتر شيبوتينيغ الذي أشار إلى أنه سيقدم خلال المهرجان عملية رصد عن كيفية عمل خوتسييف تتيح للمشاهد فهم مشاعره أثناء قيامه بعملية الإخراج والروابط التي تصله بأعماله السابقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن