ثقافة وفن

رحيل عالم الفقه الإسلامي…د. وهبة الزحيلي العالِم الذي استوعب التراث وقدمه معاصراً …قارة من العلم والفقه من الشام إلى العالم إشعاعها

 إسماعيل مروة : 

صدر تفسيره المنير، فكان نور التفاسير في العصر الحديث، وهذا التفسير هو من التفاسير القليلة التي صدرت في القرن العشرين، وفيه تجاوز حدود التفسير المؤدلج الذي يؤدي أغراض الإسلام السياسي كما في (الظلال)، وقد استطاع الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله أن يتجاوز الواقع ليعود إلى تفاسير القرآن الكريم من تفسير ابن كثير إلى الطبري إلى الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي، وغيرها من التفاسير، ليقدم للقارئ العربي تفسيراً جديداً، قريب المأخذ، سهل العبارة، منير البيان، جامع الأحكام.. لذا أقدم القارئ على اقتناء هذا التفسير الكبير مكانة وحجماً، وعلى الإشادة به وبغناه، ومن المكارم أن ينجز هذا التفسير أستاذ أكاديمي سوري، وأن تقوم على نشره مؤسسة سورية، ليكون هذا الإنجاز صورة عن الإسلام المعتدل، وعن الفهم السوي للقرآن الكريم ومقاصده، وآياته والتوجيه في فهمها كما يجب.

إمام الفقه

ومن دون أي محاباة فإن الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي يعد أباً من آباء الكتابة في الفقه والاجتهاد، وكما كان الدكتور البوطي في الفكر، كان الزحيلي في الفقه والتفسير إماماً، ونظراً لتعدد المذاهب، واختلاف الاجتهادات، وتشعب المصادر فقد قدّم الدكتور وهبة الزحيلي أهم مصنف في الفقه في القرن العشرين، يضاف إلى تفسيره المنير، فقدم موسوعته (الفقه الإسلامي وأدلته) وفي هذه الموسوعة قدّم الزحيلي القضايا الفقهية والأحكام الإسلامية مع الأدلة التي تساعد القارئ في تكوين ثقافة فقهية عالية، قد تغنيه عن السؤال لو أراد، لأن الموسوعة كانت شاملة، ولا تترك حكماً أو دليلاً دون تقديمه، وقد شكل هذا الكتاب مصدراً مهماً ليس للقراء والطلاب فقط، وإنما للباحثين الذين يريدون أن يستزيدوا في أبحاثهم.

منارة التدريس
الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي كان أستاذاً من الطراز الفريد، ويشهد طلابه وعارفوه بقدراته التدريسية وبراعته، وقد عين مدرساً في جامعة دمشق عام 63، وارتقى في سلم التدريس والمحاضرة في كلية الشريعة في جامعة دمشق، وكان أستاذاً في الدراسات العليا، وأشرف على عدد من الرسائل الجامعية التي أعدت تحت إشرافه، فكان له إسهامه الكبير في بناء الإنسان وعقله وفكره، وأسهم في تزويد الجامعات العربية بعدد من العلماء الأجلاء الذين نهلوا من علمه ومنهجه وتآليفه وقد أعطى جامعة دمشق جل جهوده، كما أعير إلى ليبيا، وأعير إلى جامعة الإمارات العربية المتحدة، وأعير إلى جامعة الخرطوم، وأعير إلى الكويت وقطر والسعودية، إضافة إلى مشاركاته في الجامعات اللبنانية، وخاصة كلية الإمام الأوزاعي.
الزحيلي والشأن العام

يتميز الدكتور الزحيلي بأنه اعتنى بالشأن العام، فهو إضافة إلى جهوده التدريسية والتأليفية، كان على تواصل مع الناس في دروس رمضانية ومحاضرات عامة، وكانت له مشاركات في مناهج المعاهد الشرعية، وقدم جهوده للدوريات في الدراسات الإسلامية في عدد من الدول، وهو من أنشأ عند إعارته إلى الإمارات مجلة (الشريعة والقانون) في جامعة الإمارات، إضافة إلى مشاركاته في مجلة نهج الإسلام وخطابته، ومشاركاته الفاعلة في الأحاديث الإذاعية والتلفزيونية في الإعلام السوري، ومع محطات عربية عديدة، لأن الدكتور الزحيلي لم يكن ليتردد في تقديم علمه لكل سائل، ومن يعرفه شاهده وهو يقف في الطريق طويلاً مع أحد الناس الذي يريد مسألة أو قضية.
وفي أثناء تأسيس المصارف كان الدكتور الزحيلي- اعتماداً على علمه الفقهي- مرجعاً في المؤسسات المصرفية في الداخل، وفي البحرين ولندن.

الزحيلي الإنسان
لم يكن الأستاذ الدكتور الراحل وهبة الزحيلي يحمل أي سمة من تكبّر أو تأفف، فلم أذكر أنني طلبت رأيه مرة إلا وجاد به، ولم يكن ليؤجل موعداً عن طالبه، فهو رجل عالم يعرف واجبه تجاه علمه قبل الآخر، فقد كان يبذل علمه لمن يريد، فتارة لطلابه، وأخرى للطلاب في الدراسات العليا، وأخرى في المحاضرات العامة والخطب والأحاديث الإعلامية، كما أن بيته كان محجة للقاصدين الراغبين في سؤال أو فتوى أو رأي، وكان رحمه الله أحرص ما يكون على سمت العالم المتواضع، فلا مبالغة، ولا تشدد، تلقاه فتجد منه ابتسامة الحب، وسمت العالم الجليل، وكم من مرة قصدته لقضايا أو آراء فلم يتردد يوماً، ولم يقفل بابه أو روحه أمامي، أو أمام أحد كما أزعم من خلال معرفته.
ومن خلال معرفتي به أستطيع أن أقول: إن الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي هو من القلة العالمة العاملة بعلمها، لم يغيره مكان أو شهرة، ولم ينحز إلى فئة على حساب أخرى، فكان ما صنفه، وما فسّره صورة لفكره المنير والمشعّ والمتسامح.
برحيل وهبة الزحيلي خسرت سورية واحداً من أعلامها الذين أحبوها وأعطوها أعمارهم وجهودهم، حرصوا على الوطن والبقاء فيه، لم يغير في قناعاته، ولم يعتزل ما يحدث بشكل سلبي، بل كان صاحب رأي في الفتنة والتعامل بها… وخسر العالم الإسلامي عالماً مشهوداً له، وخسر الفكر الإنساني أحد أعلامه وفقهائه.
رحمك الله أيها العالم الجليل، أستاذنا وفقيهنا، والعزاء لأهل العلم وطلابك، وللعلم، ولسورية، وللبلدة التي أنجبتك، وتبقى كلماتك ومصنفاتك حاضرة أبداً لا تغادرنا وتعلمنا كيف نقرأ بما يناسب الحياة الني نحياها من دون التنازل عن الثوابت.

وهبة الزحيلي في سطور

الدكتور وهبة الزحيلي ولد في دير عطية في ريف دمشق 1932.
نال شهادة الشريعة من الأزهر 1956.
نال التخصص من كلية اللغة العربية بالأزهر 1957.
نال إجازة في الحقوق من جامعة عين شمس 1957.
نال الماجستير في الشريعة الإسلامية 1959.
نال الدكتوراه (آثار الحرب في الفقه الإسلامي- دراسة مقارنة) 1963.
بدرجة الشرف الأولى.
عمل في التدريس منذ حصوله على الدكتوراه 1963.
أعير إلى عدد من الجامعات والهيئات الخارجية.

من مؤلفاته
موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته.
موسوعة التفسير المنير.
الوجيز في الفقه الإسلامي.
موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر.
موسوعة الفقه الإسلامي والقضايا المعاصرة.
القرآن الكريم البنية التشريعية والخصائص الحضارية.
الذرائع في السياسة الشرعية والفقه الإسلامي.
حقق من التراث:
جامع العلوم والحكم لابن رجب.
الأنوار في شمائل النبي المختار للبغوي.
شرح مسلم للنووي.
وله أعمال ومشاركات تصعب الإحاطة بها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن