قضايا وآراء

ترامب وإيران وكوريا الديمقراطية

| تحسين الحلبي

في كانون الأول من العام الماضي أقام الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدنيا ولم يقعدها ضد كوريا الديمقراطية وقادتها ودفع كل المسؤولين في وزارة الدفاع والأمن القومي الأميركي إلى تهديد كوريا الديمقراطية بحرب مدمرة وباستخدام جميع الخيارات العسكرية ضدها لمنعها من الاستمرار في إجراء التجارب النووية وتطوير الصواريخ عابرة القارات.
في ذلك الوقت قال مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال ماك ماستر إن «احتمال الحرب ضد بيونغ يانغ يزداد في كل يوم»، وأضاف السناتور الجمهوري ليندسي غراهام الأكثر تشدداً قائلاً: «إن فرص شن الحرب الشاملة على بيونغ يانغ أصبحت بنسبة 70 بالمئة إذا ما قامت بتكرار تجربة نووية أخرى وسوف تسقط نظام الحكم كله»، وكان الاختلاف بين هؤلاء المسؤولين يقتصر على حجم الضربة الأميركية فالبعض يريدها «عملية جراحية» محدودة الوقت تحقق جزءاً من الأهداف، وآخرون يريدونها شاملة حاسمة «لا تبقي ولا تذر».
في 24 نيسان الجاري نشرت مجلة «ناشينال ريفيو» الأميركية الشهيرة مقالاً بعنوان «ترامب ونقطة التحول مع كوريا الديمقراطية» جاء فيه أن الاجتماع المتوقع بين ترامب ورئيس كوريا الديمقراطية كيم جونغ أون، سيجري في وقت تتعرض فيه السياسة الخارجية الأميركية إلى تغييرات متسارعة خصوصاً وأن التراجع الأميركي عن الخيار العسكري ضد كوريا الديمقراطية جعل الزعيم الكوري لا يمانع «بتعليق تجاربه النووية» تحضيراً للاجتماع المقرر.
ولاحظ آرثر هيرمان في تحليلة بأن ترامب كان معنياً بمشاركة جزئية لبريطانيا وفرنسا في هجومه على سورية في نيسان الجاري لكن حربه على كوريا الديمقراطية ظهرت بشكل أميركي أحادي.
ونحن نجد بالمقابل أن التهديدات الأميركية لطهران بالانسحاب من اتفاقية الدول الست ستنقل واشنطن وحدها كما يبدو حتى الآن إلى جولة التهديد بشن عدوان عسكري عليها إذا نفذت انسحابها من هذه الاتفاقية.
ولذلك يتوقع عدد من المحللين الأميركيين أن يجد ترامب نفسه في وضع يفرض عليه التراجع عن هذا التهديد ضد إيران التي قامت بتهديده برد شديد عسكري إذا ما قرر شن أي حرب على إيران، وهذه هي الطريقة نفسها التي استخدمتها كوريا الديمقراطية حين هددها قبل أشهر باستخدام القوة العسكرية الأميركية المباشرة إذا لم تتوقف عن تجاربها النووية والصاروخية ورغم أنها لم تتوقف عاد وقرر اللجوء إلى خيار التفاوض معها، ورأت المحللة السياسية في مجلة «فوكس نيوز» الإلكترونية في 24 نيسان الجاري أن «أي معارضة يبديها ترامب لاتفاقية الدول الست معها ستؤدي إلى موت فرصة في الاتفاق مع بيونغ يانغ النووية فعلاً»، وهذا ما أشارت إليه وكالة الإعلام الكورية الديمقراطية الرسمية حين قالت: «لقد رأينا كيف تخلى العراق عن برنامجه النووي وكذلك ليبيا ثم وقع الهجوم العسكري عليهما بعد أن حرما من قوة الردع النووي»، وهذا ما يمكن أن تقوله إيران الآن إذا ما قرر ترامب شن حرب عليها بعد رفضها تعديل اتفاقية الدول الست، بل إن خبراء عسكريين أميركيين يرون أن طهران قد تتحول إلى دولة نووية بسرعة هائلة إذا قرر ترامب شن الحرب عليها، وعند ذلك سيجد نفسه أمام معضلته نفسها مع كوريا الديمقراطية التي يريد الآن التفاوض معها وهي نووية.
وأضافت المحللة السياسية، واي جي فيشير، في «فوكس نيوز» إن إيران اعتمدت في صياغة الاتفاقية على المجتمع الدولي ومشاركة خمس دول كبرى إضافة إلى ألمانيا في هذه الاتفاقية، وإذا ما قرر ترامب الانسحاب من هذه الاتفاقية فسوف يضع، كيم جونغ أون، شروطاً هائلة عليه ولن يوافق على أي اتفاقية يوقعها الطرفان الأميركي والكوري الجنوبي معه.
في النهاية يدرك مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد، جون بولتون، أن قدرة واشنطن عام 2003 ضد العراق حين شارك في التحريض على احتلال العراق، تآكلت وتناقصت قدرة ردعها لدول مثل كوريا الديمقراطية وإيران وسورية ولذلك ستظل واشنطن تدفع ثمن هذا التآكل يوماً تلو آخر لأن هذه الدول تزداد بشكل مطرد قدراتها وثقتها بنفسها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن