من دفتر الوطن

مَنْ يغيّر مَنْ؟

| عبد الفتاح العوض

من يغيّر من.. الحياة تغيرنا أم إننا نغير الحياة؟!
في الظروف السيئة وهي سيئة من سنوات طويلة، كيف يمكنك التصرف؟
هل تنتظر لتتغير الظروف أم إنك تتكيف مع الظروف السيئة؟
الشجعان الذين يقولون بل سنغير الظروف ليقفوا جانباً، هؤلاء هم أحفاد سوبر مان وهم على حق في الحالات التي يمكن تغييرها. وكثير من الظروف يمكن تغييرها والفوز عليها لكن ليست حياتنا كلها من صناعتنا الذاتية.
ومن ثم لا أنتظر إجابة من أحفاد سوبر مان بل السؤال موجه إلى بني آدم البشر بكل ما فيهم من قوة وضعف ومن صواب وخطأ.
أفترض أن قسماً منا سيقول إن التكيف مع الظروف السيئة هو استسلام لها وإعلان ضعف لا ينبغي أن يكون مع البشر، ثم إن التأقلم مع الظروف السيئة والتأقلم مع الحالات الخاطئة ليس إلا شرعنة للخطأ ومنحه وثيقة البقاء والاستمرار، وهو فوق كل ذلك ليس البديل المفيد لأن التعامل بهذه الطريقة سوف يجعل الحياة مجرد تكيف مع ما تقدمه لنا. التكيف مع كل خطأ ليس إلا ضرباً من النقاق المستمر، هذه وجهة نظر.
لنعط وجهة النظر الأخرى فرصة:
عندما نقول إنها ظروف سيئة لا نتحدث عن عوارض وتزول، بل نتحدث عن ظروف طويلة تمتد سنوات ليس بيدنا تغييرها أو وضع حد زمني لها.
التكيف ليس اختراعاً بشرياً، بل هو لغة الطبيعة التي يجب أن نتعلمها ونتعلم مفرداتها بكل تفاصيلها.
ثمة حالات تولد معنا وليس بالإمكان إلا الفوز عليها بالتكيف معها لأنه لا مجال لتغييرها مثل من يولد أعمى، فإن قدرته على التكيف والتأقلم مع نقصان حاسة مهمة من حواسه تعتبر تغلباً عليها.
التكيف ليس استسلاماً بل هو اعتراف بالمشكلة لحلها والتعايش مع كل ما فيها والتعويض عنها بقدرات أخرى.
وجهة النظر هذه تبتعد أكثر باعتبار محاولات التغيير لكثير من الأشياء والظروف السيئة تبوء بالفشل، إنها تشبه ملاحقة الوهم والسراب، ستبقى تتبعه لسنوات طويلة من دون أن تحوزه.
في واقع الأمر وهنا وجهة النظر المعتدلة…
ثمة أشياء ينبغي تغييرها، وعدم المحاولة في تغييرها يعتبر ضرباً من الاستسلام والخنوع ولا يمكن أن نتعايش مع كل الظروف السيئة، فهذا يجعلنا نحيا في دائرة مغلقة من الأشياء التي لا نحبها.
لكن في الوقت ذاته كثير من الأشياء لا نستطيع فعلا تغييرها، تخلق معنا أو تصادفنا في حياتنا من دون أن يكون لنا دور فيها ولا قدرة على إزالتها، في هذه الحال فإن أفضل ما يمكن القيام به هو العمل على التكيف معها والتغلب عليها من داخلها، ومدرستنا هنا الطبيعة والكائنات الحية، لقد أبدعت في عملية التكيف وصنعت عالماً آسراً من القدرة على التعايش مع الظروف المحيطة.
بقي أن نقول: إن نسبة الأشياء التي لا قدرة لنا على تغييرها أكثر بكثير من الأشياء التي نتمكن من تبديلها، ولينظر كل منا إلى حياته، سيجد أنه أسير كثير من الأشياء التي سيكون سعيداً لو تمكن حتى من التكيف معها.

أقوال:
الذكاء هو القدرة على التكيف مع التغيير.
يتطلب التكيف مع العالم الحديث تبلداً في الإحساس وانحطاطاً في الشخصية.
نحن نبني الكثير من الجدران والقليل من الجسور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن