قضايا وآراء

الجنوب الساخن

| سيلفا رزوق

من المؤكد أن ملف جنوب دمشق ومعه ريفا حمص الشمالي وحماة الجنوبي بات بحكم المنجز وأيام وربما أكثر بقليل تفصل الدولة عن بسط سيطرتها الكاملة على تلك المناطق.
ورغم أن ريف إدلب بشقيه الشرقي والجنوبي يبدو الجهة الأكثر ترجيحاً لوجهة الجيش التالية، على اعتبار أن الجيش كان قد أوقف تقدمه في تلك الجبهة لاستكمال إنجاز ملف العاصمة والانتهاء من معركة الغوطة في وقتها، غير أن بعض التفاصيل والتحركات الميدانية الأخيرة قد تدفع للاعتقاد بأن الجنوب السوري سيكون المنطقة الأكثر سخونة للفترة القادمة.
الحديث عن ملف الجنوب يحمل درجة عالية من الخطورة والحساسية بسبب ارتباطاته الإقليمية والتماس الدولي الأكثر مباشرة هناك، ولجهة وجود العامل الإسرائيلي بصورته المباشرة أيضاً.
السيناريوهات الكثيرة التي دأب المخططون منذ سنوات الحرب الأولى لتنفيذها سعياً وراء ترتيب تلك المنطقة على الشكل الذي ترغب به إسرائيل، كان قد أفشلها الجيش السوري وحلفاؤه تباعاً، ولعل استعادة بيت جن مؤخراً أنهى آخر تلك المخططات التي سعت لاستحداث جيش سورية الجنوبي على طريقة ما جرى في لبنان، غير أن إفشال تلك السيناريوهات لم يكن يعني بأي شكل من الأشكال أن الخطر القادم من الجنوب قد زال، وبأن تلك المنطقة الحدودية التي شكلت المعبر الأول للتدخل الإقليمي والدولي باتت هادئة.
ما يدفع إلى ترجيح منطقة الجنوب كوجهة تالية لبسط سيطرة الدولة الكاملة عليها، هو الزيارات المتتالية لكل من وزيري الخارجية الأميركي مايك بومبيو وما تلاها مباشرة من زيارة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والذي فتح باب التكهنات واسعاً عندما أشار إلى أن مناطق «خفض التصعيد» هي مناطق «مؤقتة»، ولا تشمل الإرهابيين، وبأن «المسلحين الذين ينتهكون الهدنة في سورية يتدربون على طول الحدود السورية الأردنية، وتحديداً في قاعدة عسكرية أميركية بمنطقة التنف، ومخيم الركبان للاجئين في الأردن».
التصريحات الروسية بدت وكأنها تلويح روسي بالتخلي عن منطقة «خفض التصعيد» والاستعداد لدعم أي خطوة عسكرية مقبلة للحليف السوري على أراضيه، وأثارت سجالاً لاحقاً مع الأردن، الذي يحاول الحفاظ قدر المستطاع على الوضع القائم في تلك البقعة الجغرافية، لاعتبارات داخلية وأخرى خارجية خارجة عن إرادته بطبيعة الحال.
المعركة في المنطقة الجنوبية لن تكون أقل أهمية مما جرى في الغوطة الشرقية، وإذا كانت الدولة السورية قد تمكنت عبر إنجاز ملف الغوطة من إعلان نهاية حقبة التهديد بإسقاط العاصمة عسكرياً، وتهديد أمنها والقضاء على الأذرع والأدوات الإسرائيلية الأميركية هناك، فإن إنجاز ملف الجنوب سيكون إعلان الانتهاء من حقبة التدخل الإسرائيلي المباشر، وإغلاق شريط آخر من الحدود السورية شكل نزيفاً مستمراً ومصدراً أساسياً للأسلحة والإرهابيين لفترة طويلة.
لا شك أن الوجود الأميركي المباشر في منطقة التنف سيشكل عنواناً دولياً شائكاً لا يعرف حتى اللحظة إلى أي الحدود يمكن لأميركا أن تخوض بعيداً في الحفاظ على وجودها هناك، والذي تحمي بموجبه آخر ما تبقى لها من أدوات على الحدود مع الأردن وأيضاً آخر ما تبقى من دواعش هاربين من غير منطقة، وعليه فإن استحضار سيناريوهات مشابهة لما جرى في أعقاب الاقتراب من تحرير الغوطة، يبدو وارداً لكن على نحو أقل توقعاً، لجهة أن المنطقة لا تشكل مصلحة حيوية مباشرة لواشنطن ويمكن المساومة عليها إذا اقتضى الأمر وعلى الطريقة الأميركية.
يبقى إذاً العامل الإسرائيلي الذي يبرز اليوم بقوة من بوابة ما تدعيه تل أبيب «التهديد الإيراني» في سورية، وهي ذريعة تحتاجها إسرائيل على ما يبدو في محاولة ترتيب منطقة الحدود على الشكل الذي تريده بعدما فشلت أذرعها في إنجاز غاياتها، وهو أمر يدرك الجميع بأنه بحكم المستحيل سورية، والناظر لما جرى منذ بداية المعارك وما تم من محاولات للمساومة على أي من الملفات يعلم جيداً أن أياً منها لم يحقق الهدف الذي رسم من أجله، بل استطاعت الدولة السورية الاستمرار على النهج الذي وضعته، والهدف المعلن الذي حددته وهو «مكافحة الإرهاب».
المرحلة القادمة إذا ما صدقت التكهنات حول وجهة الجيش التالية ستكون مرحلة تصعيد مع الأصلاء بصورة مباشرة، وعليه فإن القادم من الأيام لن يكون محفوفاً بمخاطر أقل مما جرى في غير ملفات، لكن المؤكد أن الدولة السورية مصممة على استعادة حدودها وبسط سيطرتها الكاملة على أراضيها وتعرف وهي خبرت جيداً كيف تختار زمن وأدوات تحقيق هذا الأمر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن