قضايا وآراء

سورية.. أزمة سيناريوهات

| مازن بلال

بعد سبع سنوات لا تملك القوى الدولية والإقليمية أي تصورات يمكن أن تدخل في إطار الحل للأزمة السورية، فالبدايات التي عصفت بسورية أصبحت خارج إطار الواقع القائم اليوم، وفكرة التحول السياسي التي تتحدث عنها كل المؤتمرات والقرارات الدولية لم تعد واردة بسبب التوازنات العسكرية على الأقل التي تحكم الجغرافية السورية بالكامل، فالسيناريوهات التي تعود لما قبل عام 2012 وهو تاريخ أول مؤتمر لجنيف؛ باتت مهشمة ومتناقضة مع توزع القوى السياسية والعسكرية في المشهد السوري، والمأزق الحقيقي هو أن التفاوض في جنيف لم يعد قائماً على إمكانية الحل السياسي، بل لإحراج طرف أو آخر ضمن معادلة الصراع القائمة.
تبدو الصورة اليوم «صفعة» حقيقية لمحاولات العبث بالجغرافيا السياسية، فالقوى الدولية والإقليمية استخدمت هذه الجغرافيا السياسية لتغيير المعادلات في سورية والشرق الأوسط عموماً، وانتهت إلى نقطة أصبحت فيها كل الحلول غير قادرة على ضمان توازن جديد، وربما أخطر ما في الأمر أن وضعت إمكانية المواجهة المباشرة بين بعض الدول الإقليمية، إيران و«إسرائيل» على سبيل المثال، ضمن الاحتمالات الواردة لسيناريوهات إنهاء الأزمة في سورية، فالتصادم القائم بعد سبع سنوات أصبح في إمكانية إزاحة الأدوار الإقليمية، وربما كسر إرادة بعض الدول التي لعبت أدواراً قوية في بداية الأزمة مثل قطر أو تركيا.
الجانب الآخر لأزمة السيناريوهات تظهر ضمن البدائل المتاحة لخلق توازن جديد في سورية وشرقي المتوسط عموماً، ويبدو الدوران الروسي والأميركي تائهين ضمن ما يمكن أن تقوم به أنقرة مستقبلاً، أما على المستوى العسكري فإن محافظة إدلب التي تم «إغراقها» بالمسلحين تشكل مأزقاً يكبر كلما طال عمر الأزمة، وتفتح أمام تركيا فرصاً إضافية لتوسيع دورها بشكل لا تريده روسيا ولا الولايات المتحدة، وإمكانية التوصل لحلول معقولة بين موسكو وواشنطن بشأن توازن دوريهما في سورية يزداد صعوبة مع فقدان البدائل المتاحة، فتضخم دور تركيا أو إيران سيصعد المواقف وسيعيد الصراع لحالة من التصادم، وربما من هذه الزاوية ظهرت فكرة «القوات العربية» ضمن سيناريو إدخال عامل إضافي على حساب أي دور تركي أو إيراني، لكن مشكلة هذا الحل أنه يأتي بعد استنزاف الدور العربي عموماً في سورية واليمن وحتى في ليبيا.
العجز السياسي يفرض على الجميع تثبيت جبهات عسكرية بما فيها مناطق الصراع مع داعش، فالحسم العسكري النهائي ضد الإرهاب لا يخدم أي طرف دولي أو إقليمي في ظل عدم وجود وضوح في طبيعة الحل السياسي، وهذا الأمر استدعى حضوراً عسكرياً مباشراً في العديد من المناطق من «التنف» في الجنوب إلى عين عرب في الشمال، وفرض أيضاً تصريحات متبدلة بدءاً مما يقوله الرئيس الأميركي بشأن سحب قواته، وصولاً إلى ما تصدره الحكومة الأردنية بشأن تهريب السلاح عبر حدودها مع سورية.
ادعاءات التعقيد في الوضع السوري تعبر في عمقها عن عدم القدرة على تصور الشكل القادم للمنطقة، فالتصادم طوال السنوات السبع كسر بعض الأدوار الإقليمية لكنه أتاح حركة تحالفات جديدة، وكشف أن الجغرافية السورية تحتاج إلى حالة مختلفة في منطقها عما ساد بداية الأزمة، فالتوافقات الدولية والإقليمية العاجزة عن إنتاج سيناريو يحقق توازناتها استطاعت كسر احتمال التصادم المباشر بينها بعد أزمة «الكيميائي» في الغوطة الشرقية، ومن الممكن أن تكسر احتمال الصراعات القادمة ولكنها ستحتاج بالنهاية إلى سيناريو سوري بامتياز يحمله المجتمع السوري وليس القوات العربية أو غيرها من القوى الإقليمية والدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن